...

كلمة الراعي الخلاص بالنعمة

كتب بولس الرسول هذه الرسالة من السجن، غالبًا من سجنه الأخير في رومية. وهي من أغنى رسائله، ولعلّها مُرسَلة ليس فقط الى أهل أفسس ولكن الى مدن آسيا الصغرى المحيطة بها. يؤكد في هذا المقطع أننا”حين كُنّا أمواتًا بالزلاّت أحيانا مع المسيح”. يُشركنا الرسول دائمًا في حياة المسيح وفي جلوسه معه في السمويات من بعد القيامة. لا يفرّق بولس بين الرب والذين هم له

وحتى لا يعتزّ المسيحيون بفضائلهم، يؤكد لهم أنهم بالنعمة مُخَلَّصون، وفي هذا المقطع الصغير يؤكدها مرتين. المسيح حاضن أحبائه، مُشركهم في موته وقيامته وصعوده الى السماء. كل شيء عنده نعمة من فوق والنعمة لطف الله بنا.

من أين تأتي النعمة؟ الجواب: من الإيمان، أي انها مجّانيّة. يعطيها الرب لأنه هو يريد، وهذا ليس لهم فضل فيه. هذا الخلاص هو عطيّة الله، وليس من الأعمال، وليس من ناموس موسى. وهنا يلتقي الرسول بالرسالة الى أهل رومية والرسالـة الى أهل غـلاطية، وتلك التي أَرسلها الى غلاطية قُرئت في أفسس. كل هذه المدن استلمت أن النعمة مجّانيّة والإيمان مجّانيّ، وفي كل هذا محاربة لليهود والمتأثرين بهم في الأوساط المسيحية في آسيا الصغرى. نحن مخلوقون للأعمال الصالحة التي سبق الله فأَعدّها لنسلُك فيها. ما يُسمّى”سَبْق التعيين” الذي ظهر في البروتستنتية الكلفينية والقائل ان هناك من أُعِدّ للسماء وهناك من أُعدّ لجهنم إنما هو اعتقادٌ رفضه هؤلاء الإنجيليون في القرن التاسع عشر ونحن كنا رافضيه من البداءة لكونه يُبطل المسؤولية الشخصية. الإنسان يخلُص لسببين، أولا لأن الله يريد أن يُخلّصه بالنعمة، وثانيًا لأنه يقبل هذا الخلاص الإلهيّ. الله يقول أنا المُخلّص، والإنسان يقول الله يُخلّصني. هذا ما نُسمّيه الموآزرة او المشاركة بين الله والإنسان مع أن الرب هو الذي يُبادر بالنعمة والإنسان يستجيب لها. في أيام الطوباوي أُوغسطينُس (القرن الرابع) ظهرت في أفريقيا بدعة بِلاجيوس وقالت: الانسان يخلُص بجهوده، وكَفّرتْها الكنيسة. هذا لا يمنع الواعظ من أن يحثّ المؤمنين على الأعمال الصالحة ويقول لهم إن أهملوا الجهد فلا يخلُصون. هذا كلام تربويّ مفيد هربًا من الكسل والإهمال.

غير أن آباءنا علّموا أن الإنسان لا يدخل الملكوت بجهده ولكن برحمة الله. أنت تسعى دائمًا ليقبل اللهُ مسعاك ويُكلل عطاءك، ولكن اذكُر أننا بالنعمة مُخلّصُون، وأنك دائمًا فقير الى الله، وأنك تنال الخلاص بفائق محبته ولطفه. هو الذي أَحياك بالمسيح وأَجلسك معه في السماويات. أن تعرف أنك نازل من فوق بالنعمة يجعل فيك روح تواضع الذي هو قوّة رجائك.

هذا الالتقاء بين النعمة والجهد البشريّ تعليم ساطع للرسالة الى أهل أفسس ورفضٌ للجبرية القائلة بأن الله جابرنا على دخول السماء او دخول الجحيم. المحبة لا تريد أحدا في جهنم، ولكن اكتسب انت المحبة بالطاعة الدائمة للآب بيسوع المسيح ربنا.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).

الرسالة: أفسس 2: 4 – 10

يا إخوة، إنَّ الله لكونه غنيًّا بالرحمة ومن أجل كثرة محبته التي أحبّنا بها حين كنّا أمواتًا بالزلاّت أحيانا مع المسيح، فإنكم بالنعمة مُخَلَّصون، وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويّات في المسيح يسوع ليُظهِرَ في الدهور المستقبلة فرط غنى نعمته باللطف بنا في المسيح يسوع. فإنّكم بالنعمة مُخَلَّصون بواسطة الإيمان، وذلك ليس منكم انما هو عطيَّة الله. وليس من الأعمال لئلا يفتخر أحدٌ، لأنّا نحن صنعُه مخلوقين في المسيح يسوع للأعمال الصالحة التي سبق الله فأعدَّها لنَسلُكَ فيها.

الإنجيل: لوقا 16:12-21

قال الرب هذا المثل: إنسان غـنيّ أَخصبـت أرضُه فـفكـّر في نفسه قائلا: ماذا أصنع فإنـه ليـس لي موضع أخزن فيه أثماري. ثم قال: أَصنع هذا. أهدم أهرائي وأبني أكبر منها وأجمع هناك كل غلاتـي وخيراتي. وأقول لنفسي: يا نفـس إن لك خيرات كثيرة موضوعة لسنـين كثيـرة فاستريحي وكُلي واشربي وافرحـي. فقال له الله: يا جاهل، فـي هذه الليلة تُطلب نفسـك منك. فهـذه التي أَعـددتها لمن تكـون؟ فهكذا من يدّخر لنفسه ولا يستغني بالله. ولما قال هذا نادى: من لـه أُذنان للسمع فليسـمع.

 

 

Raiati Archives

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

الخلاص بالنعمة