...

كلمة الراعي أن يستمرّ النُّور علينا

«هذا الإنسان ليس من الله لأنّه لا يحفظ السبت». هذه هي التهمة التي اتّخذها الفرّيسيّون ذريعة ليبعدوا الناس عن يسوع. منذ البدء أصرّ اليهود على ألاّ يُعتَرف بيسوع الناصريّ مسيحًا في شعبه، وصمّموا على إخراج أيّ يهوديّ من المجمع، من الأمّة، إذا اعترف بيسوع المسيح. أدركوا منذ البدء أنّهم لو اعترفوا بالمسيح فإنّما عليهم أن يغيّروا شيئًا بأنفسهم، بتفاسيرهم، بمواقفهم وأنّ هذا يعرّض أمّتهم على ألاّ تبقى متماسكة. فإنّهم لو اعترفوا بيسوع مسيحًا لكانت الرسالة خرجت من إسرائيل إلى العالم، ولكانت الأمم دخلت في الميراث وانهارت زعامة الفرّيسيّين. إذ ذاك يصير المسيح سيّدًا على الشعب وتتّسع حدود الأمّة وتصبح كنيسة واحدة تضمّ الجميع وكان هذا خطرًا عليهم.

كان السبت في نظرهم يومًا مخصّصًا للربّ لا يُعمل فيه أيّ عمل، واعتبروا الشفاء عملاً. فضّلوا التمسّك الحرفيّ بالشريعة على عمل الخير. وجدوا ذريعة ليس في شريعة موسى بل في تفاسيرهم لشريعة موسى. وجدوا ذريعة لكي ينقضّوا على يسوع ويميتوه، ولذلك أخذوا يجادلون في أمر الذي شُفي: أأنت أعمى؟ من قال إنّك أعمى؟ أين الشهود على أنّك كنت أعمى؟ طبعًا كانوا يعرفون أنّه أعمى، كانوا يرونه في كلّ مكان، لكنّهم أرادوا أن ينفوا الشفاء وألاّ يعترفوا بيسوع صانع معجزات.

أمّا الأعمى فقد اعترف طبعًا بالمعجزة، صارت معه. وأبواه اللذان كان مغضوبًا عليهما من اليهود، اعترفا بها أي أنّ الإنجيل يبيّن لنا أن مَن كان مظنونًا على أنّه مستنير، أعني اليهود، كان الأعمى. والأعمى منذ مولده صار بصيرًا، أي انقلبت الآية، من ظنّوا أنفسهم في النُّور كانوا حقًّا في الظلام لأنّهم جعلوا أنفسهم ضدّ المسيح، والذي كان في الظلام صار في النُّور لأنّه آمن بالمسيح. كلّ من اتّبع المسيح يصبح في النُّور.

تقرأ الكنيسة هذا الإنجيل اليوم لأنّها كانت في هذه الفترة الفصحيّة تعلّم الذين اعتمدوا في سبت النُّور على الإنجيل. ولهذا نقرأ إنجيل يوحنّا في هذه الفترة لأنّه يحتوي على تعليم كبير يتعلّق بالمعموديّة والأسرار. وإنجيل شفاء الأعمى الذي يُقرأ اليوم يرمز إلى الخلاص الذي ناله المبصرون الجدد أي المُعمّدون، كانوا عميانًا قبل المعموديّة فأبصروا.

قد يكون الإنسان مسيحيًّا ومع ذلك يبقى أعمى، ليس لأنّ إيمانه أعمى لكن لكونه لم يبقَ على إيمانه، ويظلم من جديد من بعد نُور. السلوك السيّئ ظلام يدخل إلينا من جديد من بعد النُّور ويجعلنا عميانًا. فإذًا لا نفتخر بأنّنا مسيحيّون، هذا لا يكفي، بل نفتخر بأنّنا نطيع وصايا الله. القضيّة هي أن يستمرّ النُّور علينا، لا أن نأخذ النُّور بالمعموديّة في طفولتنا ونبقى عند هذا الحدّ. الأمر كلّه أن نبقى معمّدين أي أن نسلك سلوك المعمّدين، كأنّ النُّور يُعطى لنا كلّ يوم بالعمل الصالح. المعمودية تجدّد، لا بالماء، ولكن بالعهد الذي نقطعه على أنفسنا في حضرة المسيح كلّ يوم.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالة: أعمال الرسل ٢٦: ١، ١٢-٢٠

في تلك الأيّام قال الملك أغريبّاس لبولس مأذون لك أن تتكلّم على نفسك. فحينئذ بسَطَ بولس يدَه وطفق يحتجّ: لمّا انطلقتُ وأنا على ذلك إلى دمشق بسلطان وتوكيل من رؤساء الكهنة، رأيت في نصف النهار على الطريق أيّها الملك نورًا من السماء يفوق لمعان الشمس، قد أبرقَ حولي وحولَ السائرين معي. فسقطنا جميعنا على الأرض وسمعت صوتًا يكلّمني ويقول باللغة العبرانيّة: شاول، شاول، لمَ تضطهدُني. إنّه لصعب عليك أن ترفس مناخس. فقلتُ: من أنتَ يا ربّ؟ فقال الربّ: أنا يسوع الذي أنتَ تضطهده. ولكن قم وقفْ على قدميك فإنّي لهذا ظهرت لك لأنتخبك خادمًا وشاهدًا بما رأيتَ وبما سأظهر لكَ فيه. وأنا أنجّيك من الشعب ومن الأمم الذين أنا مرسلُك الآن إليهم، لتفتَح عيونهم فيرجعوا من الظلمة إلى النُّور ومن سلطان الشيطان إلى الله حتّى ينالوا مغفرة الخطايا وحظًّا بين المقدَّسين بالإيمان الذي بي. فمن ثمّ أيّها الملك أغريبّاس لم أكن معاندًا للرؤيا السماويّة، بل بشّرت أوّلاً الذين في دمشق وأورشليم وأرض اليهوديّة كلّها، ثمّ الأمم أيضًا بأن يتوبوا ويرجعوا إلى الله عاملين أعمالاً تليق بالتوبة.

 

الإنجيل: يوحنّا ٩: ١-٣٨

في ذلك الزمان فيما يسوع مجتاز رأى إنسانًا أعمى منذ مولده. فسأله تلاميذه قائلين: يا ربّ، مـن أخطأ أهذا أم أبواه حتّى وُلد أعمى؟ أجاب يسوع: لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه. ينبغي لي أن أَعمل أعمال الـذي أرسلني ما دام نهارٌ، يأتي ليل حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل. ما دمتُ في العالم فأنا نور الـعالم. قال هذا وتفل على الأرض وصنع من تفلته طينًا وطلى بالطين عينَي الأعمى وقال له: اذهبْ واغتسلْ في بركة سِلوام (الذي تفسيره المرسَل). فمضى واغتسل وعاد بصيرًا. فالجيران والذين كانوا يرونه من قبل أنّه كان أعمى قالوا: أليس هذا هو الذي كان يجلس ويستعطي؟ فقال بعضهم: هذا هو، وآخرون قالوا: إنّه يشبهه. وأمّا هو فكان يقول: إنّي أنا هو. فقالوا له: كيف انفتحتْ عيناك؟ أجاب ذاك وقال: إنسان يُقال له يسوع صنع طينًا وطلى عينيّ، وقال لي اذهب إلى بركة سلوام واغتسل، فمضيتُ واغتسلتُ فأبصرتُ. فقالوا له: أين ذاك؟ فقال لهم: لا أَعلم. فأَتوا به، أي بالذي كان قبلاً أعمى، إلى الفرّيسيّين. وكان حين صنع يسوع الطين وفتح عينيه يوم سبت. فسأله الفرّيسيّون أيضًا كيف أبصر، فقال لهم: جعل على عينيّ طينًا ثمّ اغتسلتُ فأنا الآن أُبصر. فقال قوم من الفرّيسيّين: هذا الإنسان ليس من الله لأنّه لا يحفظ السبت. آخرون قالوا: كيف يقدر إنسان خاطئ على أن يعمل مثل هذه الآيات؟ فوقع بينهم شقاق. فقالوا أيضًا للأعمى: ماذا تقول أنت عنه من حيث إنّه فتح عينيك؟ فقال: إنّه نبي. ولم يصدّق اليهود عنه أنّه كان أعمى فأبصر حتّى دعَوا أبوَي الذي أبصر وسألوهما قائلين: أهذا هو ابنُكما الذي تقولان إنّه وُلد أعمى، فكيف أبصر الآن؟ أجابهم أبواه وقالا: نحن نعلم أنّ هذا ولدنا وأنّه وُلد أعمى، وأمّا كيف أَبصرَ الآن فلا نعلم، أو من فتح عينيه فنحن لا نعـلم، هو كامل السنّ فاسألوه فهو يتكلّم على نفسه. قال أبواه هذا لأنّهما كانا يخافان من اليهود، لأنّ اليهود كانوا قد تعاهدوا أنّه إن اعترف أحد بأنّه المسيح يُخرَج من المجمع. فلذلك قال أبواه هو كامل السنّ فاسألوه. فدَعَوا ثانيةً الإنسان الـذي كان أعمى وقالوا له: أَعطِ مجدا لله، فإنّا نَعلم أنّ هذا الإنسان خاطئ. فأجاب ذاك وقال: أخاطئ هو لا أعلم، إنما أعلم شيئًا واحدًا أنّي كنتُ أعمى والآن أنا أُبصر. فقالوا له أيضًا: ماذا صنع بك؟ كيف فتح عينيك؟ أجابهم قد أَخبرتكم فلم تسمعوا، فماذا تريدون أن تسمعوا أيضًا؟ ألعلّكم أنتم أيضًا تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟ فشتموه وقالوا له: أنت تلميذُ ذاك. وأمّا نحن فإنّا تلاميذُ موسى ونحن نَعلم أنّ الله قد كلّم موسى. فأمّا هذا فلا نعلم من أين هو. أجاب الرجل وقال لهم: إنّ في هذا عَجَبًا أنّكم ما تعلمون من أين هو وقد فتح عينيّ، ونحن نعلم أنّ الله لا يَسمع للخطأة، ولكن إذا أحدٌ اتّقى الله وعمل مشيئته فله يستجيب. منذ الدهر لم يُسمع أنّ أحدا فتح عيني مولودٍ أعمى. فلو لم يكن هذا من الله لم يقدر على أن يفعل شيئًا. أجابوه وقالوا له: إنّك في الخطايا قد وُلدتَ بجملتك. أفأنت تُعلّمنا؟ فأَخرجوه خارجًا. وسمع يسوع أنّهم أخرجوه خارجًا، فوجده وقال له: أتؤمن أنت بابن الله؟ فأجاب ذاك وقال: فمن هو يا سيّد لأؤمن به؟ فقال له يسوع: قد رأيتَه، والذي يتكلّم معك هو هو. فقال له: قد آمنتُ يا ربّ، وسجد له.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

أن يستمرّ النُّور علينا