...

كلمة الراعي أن نسجد للآب بالروح والحقّ

في إنجيل يوحنّا الذي نقرأه باهتمام بعد الفصح، قيل عن السيّد إنّه كان لا بدّ له من أن يجتاز السامرة وهو في طريقه إلى أورشليم. كان بإمكانه أن يصل إلى أورشليم من طريق أخرى، لكنّنا نجده يغيّر برنامجه لكي يلتقي بالمرأة السامريّة التي صارت منطلقًا لكلّ البشارة التي نقرأ عنها في أعمال الرسل. في أوّل البشارة كان الرسل يكلّمون اليهود فقط، لكن في أنطاكية أخذوا يبشّرون الوثنيّين أيضًا، كما فعلت السامريّة لمّا أعطت البشارة لغير اليهود، لأنّ كلمة الله تستقرّ في كلّ من آمن بالربّ يسوع مهما كان أصله.

محور كلّ هذا النصّ هو شخص المسيح نفسه. يسوع يتجاوز كلّ فاصل بينه وبين أيّ إنسان، لأنّنا بعد المسيح لسنا مفصولين عن أيّ إنسان، وإن فصلتنا عنه ظروف الزمان أو فرّقت العادات بيننا وبينه. بسبب من المسيح نحن ملاصقون كلّ إنسان.

يجابه السيّد السامريّة قائلاً: «لو عَرفتِ عطيّة الله ومَن الذي قال لك أعطيني لأشرب لطلبتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حيًّا»، الماء الحيّ لم يكن في البئر، وقد قال النبيّ إرمياء عن لسان الله: «تركوني أنا ينبوع الماء الحيّ واحتفروا لأنفسهم آبارًا مشقّقة لا تضبط ماء» (٢: ١٣). يقول السيّد دومًا عن نفسه إنّه الماء الحيّ، وفي إنجيل اليوم يقول إنّ من يأخذ منه ماء الحياة يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبديّة.

هل نحن نستقي الماء الحيّ؟ كلّ واحد منّا سجين ترتيبات حياته، سجين الحزن وعادات الحزن، سجين الفرح وعادات الفرح، سجين ترتيباته العائليّة والعشائريّة والحزبيّة. كلّ إنسان رتّب نفسه في قفص يقيه الفكر الحيّ. كلّ إنسان أخضع نفسه لكابوس، لنير، حتّى لا يواجه المسيح الذي يغسل كلّ نير ويرفع عنّا كلّ فكر. فإنّك إن ماشيتَ المسيح لا بدّ لك من أن تصبح ينبوعًا، ينبوع ماء حيّ، أي أنّك إنسان حاضر، ملتفت الروح، ملتهب الفكر، خادم للإنسانيّة تنظر إليها كلّ يوم بانفتاح على غير ضيق ولا أقنعة. تصبح إنسانًا جديدًا إن أردتَ أن تسير وراء السيّد.

دخلت المرأة في مناقشة مع السيّد بعد أن فضح سلوكها. عرفت أنّها في وضع مريب فأرادت أن تهرب من وضعها ودخلت في مناقشة لاهوتيّة. لكنّ يسوع لم ينقد إلى المناقشة لأنّ القضيّة ليست أن نناقش، لكنّ القضيّة أن نواجه المسيح وأن نسلم إليه لكي نصبح أناسًا جددًا به. لذلك قال يسوع للسامريّة: ليست القضيّة أن تختلفوا حول مكان العبادة، فإنّ الله روح والقضيّة ليست قضيّة معابد. فبالروح والحقّ ينبغي أن تسلكوا. كوني في أعماق روح الله وكوني في حقيقة الله قبل أن نتكلّم على مكان العبادة.

كثيرون يتحدّثون عن الدين وعن الطوائف، وعن ميزة هذه الطائفة أو تلك ويتباهون بماضيهم، ولكنّ واحدًا منهم لا يصلّي. القضيّة ليست تفاضلاً، القضيّة أن نكون جميعا بالروح والحقّ، أي أن نرمي أنفسنا في أعماق الله بصدق كامل. لمّا واجه يسوع السامريّة بقضيّة الصدق، وبأنّها مدعوّة إلى أن ترتفع إلى الربّ الإله، تغيّرت فورًا وأصبحت من تلاميذه.

إمّا أن نكون تلاميذ للسيّد أو لا نكون. السؤال المطروح على كلّ منّا في أحد السامريّة هو هذا: هل أنا أستمع إلى المسيح؟ هل أحبّ أقواله؟ هل أنّ همّي كلّه أن أكون شاخصًا إلى عينيه لكي أتلقّى منهما كلّ حنان وأوجَد؟

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالة: أعمال الرسل ١١: ١٩-٣٠

في تلك الأيّام لمّا تبدّد الرسل من أجل الضيق الذي حصل بسبب إستفانوس، اجتازوا إلى فينيقية وقبرس وأنطاكية وهم لا يُكلّمون أحدًا بالكلمة إلاّ اليهود فقط. ولكنّ قومًا منهم كانوا قبرسيّين وقيروانيّين. فهؤلاء لمّا دخلوا أنطاكية أخذوا يكلّمون اليونانيّين مبشّرين بالربّ يسوع. وكانت يد الربّ معهم، فآمن عدد كثير ورجعوا إلى الربّ. فبلغ خبر ذلك إلى آذان الكنيسة التي بأورشليم، فأرسلوا برنابا لكي يجتاز إلى أنطاكية. فلمّا أقبل ورأى نعمة الله، فرح ووعظهم كلّهم بأن يثبتوا في الربّ بعزيمة القلب، لأنّه كان رجلاً صالحًا ممتلئًا من الروح القدس والإيمان. وانضمّ إلى الربّ جمعٌ كثير. ثمّ خرج برنابا إلى طرسوس في طلب شاول. ولمّا وجده أتى به إلى أنطاكية. وتردّدا معا سنة كاملة في هذه الكنيسة وعلّما جمعًا كثيرًا، ودُعي التلاميذ مسيحيّين في أنطاكية أوّلاً. وفي تلك الأيّام انحدر من أورشليم أنبياء إلى أنطاكية. فقام واحد منهم اسمه أغابوس فأنبأ بالروح أنْ ستكون مجاعة عظيمة على جميع المسكونة. وقد وقع ذلك في أيّام كلوديوس قيصر. فحتم التلاميذُ بحسب ما يتيسّر لكلّ واحد منهم أن يُرسلوا خدمة إلى الإخوة الساكنين في أورشليم. ففعلوا ذلك وبعثوا إلى الشيوخ على أيدي برنابا وشاول.

 

الإنجيل: يوحنّا ٤: ٥-٤٢

في ذلك الزمان أتى يسوع إلى مدينة من السامرة يقال لها سوخار، بقرب الضيعة التي أعطاها يعقوب ليوسف ابنه. وكانت هناك عين يعقوب. وكان يسوع قد تعب من المسير، فجلس على العين وكان نحو الساعة السادسة. فجاءت امرأة من السامرة لتستقي ماءً. فقال لها يسوع: أَعطيني لأشرب – فإنّ تلاميذه كانوا قد مضوا إلى المدينة ليبتاعوا طعامًا- فقالت له المرأة السامريّة: كيف تطلب أن تشرب منّي وأنت يهوديّ وأنا امرأة سامريّة، واليهود لا يُخالطون السامريّين؟ أجاب يسوع وقال لها: لو عَرفتِ عطيّة الله ومَن الذي قال لك أعطيني لأشرب، لطلبتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حيًّا. قالت له المرأة: يا سيّد إنّه ليس معك ما تستقي به والبئرُ عميقة، فمن أين لك الماء الحيّ؟ ألعلّك أنت أعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا البئر ومنها شرب هو وبنوه وماشيته؟ أجاب يسوع وقال لها: كلّ من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا، وأمّا من يشرب من الماء الذي أنا أُعطيه فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أُعطيه له يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبديّة. فقالت له المرأة: يا سيّد أَعطني هذا الماء كيلا أعطش ولا أَجيء إلى ههنا لأَستقي. فقال لها يسوع: اذهبي وادعي رَجُلَك وهلُمّي إلى ههنا. أجابت المرأة وقالت: إنّه لا رجُل لي. فقال لها يسوع: قد أحسنتِ بقولك إنّه لا رجل لي. فإنّه كان لك خمسة رجال، والذي معك الآن ليس رجُلك. هذا قلته بالصدق. قالت له المرأة: يا سيّد أرى أنّك نبيّ. آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون إنّ المكان الذي ينبغي أن يُسجد فيه هو في أورشليم. قال لها يسوع: يا امرأة صدّقيني، إنّها تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون فيها للآب. أنتم تسجدون لِما لا تعلمون ونحن نسجد لما نعلم، لأنّ الخلاص هو من اليهود. ولكن تأتي ساعة وهي الآن حاضرة إذ الساجدون الحقيقيّون يسجدون للآب بالروح والحقّ، لأنّ الآب إنّما يطلب الساجدين له مثل هؤلاء. الله روح، والذين يسجدون له فبالروح والحقّ ينبغي أن يسجدوا. قالت له المرأة: قد علمتُ أنّ مسيّا الذي يُقال له المسيح يأتي. فمتى جاء ذاك فهو يُخبرنا بكلّ شيء. فقال لها يسوع: أنا المتكلّم معك هو. وعند ذلك جاء تلاميذه فتعجّبوا أنّه يتكلّم مع امرأة. ولكن لم يقلْ أحد ماذا تطلب أو لماذا تتكلّم معها. فتركت المرأة جرّتها ومضت إلى المدينة وقالت للناس: تعالوا وانظروا إنسانًا قال لي كلّ ما فعلتُ. ألعلّ هذا هو المسيح؟ فخرجوا من المدينة وأَقبلوا نحوه. وفي أثناء ذلك سأله تلاميذه قائلين: يا معلّم كلْ. فقال لهم: إنّ لي طعامًا لآكُل لستم تعرفونه أنتم. فقال التلاميذ في ما بينهم: ألعلّ أحدًا جاءه بما يأكل؟ فقال لهم يسوع: إنّ طعامي أن أعمل مشيئة الذي أَرسلني وأُتمّم عمله. ألستم تقولون أنتم إنّه يكون أربعة أشهر ثمّ يأتي الحصاد؟ وها أنا أقول لكم: ارفعوا عيونكم وانظروا إلى المَزارع إنّها قد ابيضّت للحصاد. والذي يحصد يأخذ أُجرة ويجمع ثمرًا لحياة أبديّة لكي يفرح الزارع والحاصد معًا. ففي هذا يَصدُق القول إنّ واحدًا يزرع وآخر يحصد. إنّي أرسلتُكم لتحصدوا ما لم تتعبوا أنتم فيه. فإنّ آخرين تعبوا وأنتم دخلتم على تعبهم. فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السامريّين من أجل كلام المرأة التي كانت تشهد أن: قال لي كلّ ما فعلتُ. ولـمّا أتى

إليه السامريّون سألوه أن يُقيم عندهم، فمكث هناك يومين. فآمن جمع أكثر من أولئك جدًّا من أجل كلامه. وكانوا يقولون للمرأة: لسنا من أجل كلامكِ نؤمن الآن، لأنّا نحن قد سمعنا ونعلم أنّ هذا هو بالحقيقة المسيح مخلّصُ العالم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

أن نسجد للآب بالروح والحقّ