...

قمْ احملْ سريرك وامشِ

 

 

 

إنسان مخلّع كان يجاور البركة الغنميّة، وكانت تُدعى هكذا لأنّها قائمة ليس بعيدًا عن الهيكل بسبب الغنم الذي كان يؤتى به إلى الهيكل. وكان هذا الإنسان قد قضى ثمانية وثلاثين عامًا في المرض، وهي المدّة ذاتها التي قضاها بنو إسرائيل في البرّيّة عندما انتقلوا من مصر إلى فلسطين. أي أنّ هذا الإنسان كان يشبه شعبًا تائهًا في البادية قبل أن يدخل أرض الميعاد.

 هذا الإنسان الذي انتظر ثمانية وثلاثين عامًا لم يدخل البركة، ولكنّه انتقل فجأة من وضع عتيق إلى وضع الشفاء. انتقل من حالة اليأس إلى حالة الرجاء. جاء إليه المسيح وأعطاه ما لم ينتظر، نقله إلى نوره العجيب.

في لحظة، من دون أن يأبه بمن حوله، أدرك الرجل المريض أنّه شفي. لم يتساءل، لم يدخل في نقاش مع الغريب، بل نهض وحمل سريره ومشى. لم يسأل محاوره من أين أنت، ومن أين لك أن تتخطّى كلّ التقاليد التي نقدّسها؟ إنسان مرَّ به ورفع عنه كابوس مرضه. نهض بكلّ بساطة ومشى من دون أن يعرف كيف تمّ ذلك. رغم جهله وفقره وإعوازه وعناده وتمسّكه بالتقاليد أدرك أنّ في هذا اللقاء ما يغني عن مياه البركة.

هكذا يكون دائمًا لقاؤنا بالسيّد. يمرّ بنا غريبًا ونحن كالرجل المخلّع نُنتَشل بكلّ بساطة من رتابة حياتنا اليوميّة، إذ نعتقد بحضور لم نكن نرتقبه، لا نفهمه لأوّل وهلة، ولكنّه يجتذبنا خارجًا إلى ذاك الذي مرّ بنا عبر شخص لقيناه. فجأة، ونحن ما زلنا في جهلنا، نعلم كلّ العلم، ونرى بوضوح تامّ، ونعرف كما عرفنا، وننطلق، وقد نزعنا عنّا كلّ تساؤل، في مغامرة الإيمان.

يأتينا السيّد اليوم ببعض من الملكوت قبل أن يحلّ الملكوت الذي ننتظره بملئه. يأتينا بإشارات عنه أو بمقدّمات. ولهذا هو يشفينا ويرشدنا ونحن فقراء إليه لكي نتخشّع ونسجد لربّنا ونصل إليه بالتوبة.

إلهنا يتجسّد أي يأتي إلى حيث نحن موجودون ويخاطبنا، يتحدّث إلينا بلغتنا. فإن قبلنا أن ندخل الحوار بكلّ ما يمليه علينا ذلك من سعي في محاولة صادقة لنسمع الشخص الآخر حقًّا، ونفهم ما يقوله لنا ولا نحاول تأويله عبر معتقداتنا وعبر ما نتمسّك به من تقاليد وعبارات، نستطيع إذ ذاك أن نلقى المخلّص، أن نحمل أسرّتنا ونمشي، أن نولد ثانية في فعل خلق جديد.

مرّ يسوع بالرجل المخلّع وسأله: هل ترى مرضك على حقيقته؟ ولمّا أصرّ المخلّع على أن يُلقي مسؤوليّة تعاسته على الغير قال له السيّد: قمْ وامشْ، أي أنّ جلّ ما عليك أن تفعله هو أن تنظر إلى نفسك في حقيقة سقمها فتنتزع الغشاوة التي تغطّي عينيك. إنّك تعيش في ظلمة لا لأنّ النور قد انقلب ظلامًا بل لأنّ مشعل نفسك قد انطفأ.

قم وامش. تعال معي فأعلّمك كيف تتغلّب بفرح على كلّ ما هو سافل في حياتك، كيف تتعالى فوق الشكّ والخوف والتردّد، كيف لا تدع الأحاجي الاجتماعيّة أو الدينيّة أو العلميّة تزيل نُور الحق من سبيلك، كيف تحصل على قلب منفتح لكلّ ما هو جميل وكلّ ما هو حقّ، كيف ترجع وتصير طفلاً، كيف تولد ثانية، كيف تعاين الله بتواضع وشكر وبساطة قلب، كيف تجثو على ركبتيك صارخًا: «آمنتُ يا ربّي فأعن عدم إيماني». اذهب ولا تخطئ ثانية.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

 الرسالة: أعمال الرسل ٩: ٣٢-٤٢

في تلك الأيّام فيما كان بطرس يطوف في جميع الأماكن، نزل أيضًا إلى القدّيسين الساكنين في لدّة، فوجد هناك إنسانًا اسمه أينياس مضّجعًا على سرير منذ ثماني سنين وهو مخلَّع. فقال له بطرس: يا أينياس يشفيك يسوع المسيح، قم وافترش لنفسك، فقام للوقت. ورآه جميع الساكنين في لدّة وسارون فرجعوا إلى الربّ. وكانت في يافا تلميذة اسمها طابيثا الذي تفسيره ظبية، وكانت هذه ممتلئة أعمالاً صالحة وصدقات كانت تعملها. فحدث في تلك الأيّام أنّها مرضت وماتت، فغسلوها ووضعوها في العلّيّة. وإذ كانت لدّة بقرب يافا، وسمع التلاميذ أنّ بطرس فيها، أرسلوا إليه رجلين يسألانه ألاّ يُبطئ عن القدوم إليهم. فقام بطرس وأتى معهما. فلمّا وصل صعدوا به إلى العلّيّة، ووقف لديه جميع الأرامل يبكين ويُرينَه أقمصة وثيابًا كانت تصنعها ظبية معهنّ. فأخرج بطرسُ الجميع خارجًا وجثا على ركبتيه وصلّى. ثمّ التفت إلى الجسد وقال: يا طابيثا قومي. ففتحت عينيها، ولمّا أَبصرتْ بطرس جلست. فناولها يده وأنهضها. ثمّ دعا القدّيسين والأرامل وأقامها لديهم حيّة. فشاع هذا الخبر في يافا كلّها، فآمن كثيرون بالربّ.

 

الإنجيل: يوحنّا ٥: ١-١٥

في ذلك الزمان صعد يسوع إلى أورشليم. وإنّ في أورشليم عند باب الغنم بركة تسمّى بالعبرانيّة بيت حَسْدا لها خمسة أروقة، كان مضّجعًا فيها جمهور كثير من المرضى من عميان وعُرج ويابسي الأعضاء ينتظرون تحريك الماء، لأنّ ملاكًا كان ينزل أحيانًا في البركة ويُحرّك الماء، والذي ينزل أوّلاً من بعد تحريك الماء كان يُبرأ من أيّ مرض اعتراه. وكان هناك إنسان به مرض منذ ثمان وثلاثين سنة. هذا إذ رآه يسوع ملقى، وعلم أنّ له زمانًا كثيرًا، قال له: أتريد أن تبرأ؟ فأجابه المريض: يا سيّد ليس لي إنسان متى حُرّك الماء يُلقيني في البركة، بل بينما أكون آتيًا ينزل قبلي آخر. فقال له يسوع: قم احمل سريرك وامش. فللوقت برئ الرجل وحمل سريره ومشى. وكان في ذلك اليوم سبت. فقال اليهود للذي شُفي: إنّه سبت فلا يحلّ لك أن تحمل السرير. فأجابهم: إنّ الذي أبرأني هو قال لي: احملْ سريرك وامشِ. فسألوه: من هو الإنسان الذي قال لك احملْ سريرك وامشِ؟ أمّا الذي شُفي فلم يكن يعلم من هو، لأنّ يسوع اعتزل إذ كان في الموضع جمع. وبعد ذلك وجده يسوع في الهيكل فقال له: ها قد عوفِيْتَ فلا تعُدْ تخطئ لئلا يُصيبك

أشرّ. فذهب ذلك الإنسان وأخبر اليهود أنّ يسوع هو الذي أبرأه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قمْ احملْ سريرك وامشِ