...

في العطاء

 

إنجيل اليوم يحدثنا عن العطاء المادي الذي يجعل صاحبه قائمًا في حضرة الله إلى منتهى الدهر. ولكن الكلام أوسع من العطاء المادي وأهله. فالكريم كريم النفس «وبرّه يدوم إلى الأبد» (٢كورنثوس ٩: ٩) لأنه يكسر قلبه ليعطيه للناس فيشيع كرم النفس في الناس.

 القلب البشري إذا انطوى على نفسه يذبل. الله لا يقيم في القلب المنفرد بل يأتي إلى القلب كلما انفتح. وعلى قدر ما يعطي من ذاته فهو المُعطى له. بهذا المعنى «من له يُعطى فيزاد» (متى ٢٥: ٢٩).

من له نفس كريمة فالله يريدها دائما في جمال وبهاء. والرب إذا نزل في القلب فإنه قادر على تحطيم الحواجز كلها. والله ينتقل من قلب إلى قلب وليس له عرش سوى النفس البشرية يتربع فيها ويلاطفها ويجعلها تلطف بالنفوس.

في القداس نتكئ معا على صدر الحبيب في عشاء سري، والعشاء المقدّس الذي نقيمه انما هو دعوة لكي نتكئ جميعا على صدر يسوع كما فعل يوحنا في يوم مبارك من تاريخ الناس.

انه هو اليوم لا غدًا ذلك الذي نجيء فيه إلى السيد لنسمع منه كلمات لطف وليسمع منا كلمة توبة. فإذا نحن عدنا إلى الله فإنما نعود إلى البشر جميعا لكونهم أبناء الله، لأن الذي لا يحب الإنسان الذي يراه فكيف يحب الله الذي لا يراه؟

والإنسان الذي يطلب الله الينا ان نحبّه هو هذا الذي معنا وإلينا، وليس لنا ان نبعد كثيرا في المدى حتى نجد الإنسان الذي يجب ان نحبّه. والأولى بالذكر هو ذاك الذي آذيناه أو الذي تأذى من دون ان نقصد نحن ان نؤذيه. فالنفس البشرية هشة مكسورة وقد لا يكون لأحد في ذلك مسؤولية، وقد نكون جميعا بالكسل أو الإهمال أو التغاضي أو النسيان أو التناسي مسؤولين جميعا عن أية نفس تألمت بسبب هذا الوجود. ولذا كنا مطروحين معا في مسؤولية واحدة في حضرته تعالى تحت الذنب وتحت الرحمة في آن واحد كي نظهر لأولئك الذين تألموا ولكي نرتمي وإياهم على صدر يسوع وهو القادر ان يشفي كل نفس، وقد جاء حسب قوله ليشفي المنكسري القلوب (مزمور ١٤٦: ٣)، ليرضي الناس في الكون.

«اليوم ان سمعتم صوته فلا تُقسّوا قلوبكم» (عبرانيين ٣: ٧)، اليوم ان سمعتم صوته فصوته عذب وأنغامه تجعلنا في فردوس مُقيم. ولهذا نطهّر أنفسنا بتوبة اليه تعالى، ونجثو عند قدميه معا، وتنتصر قلوبنا برحمة نسألها.

إذا انفتحت نفوسنا إلى عطاء الرب، فنحن عندئذ كرماء، وإذ ذاك نعطي وبرّنا يدوم إلى الأبد.

المسيح سيدنا، المسيح راعينا، لنصبح اليه كما كان هو إلينا، وبهذا يُسَرّ، وبذا نفرح ونكون كما شاء هو ان نكون متمتعين بفرح وسلام ونِعَم.

جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

عن “رعيّتي”، العدد 44، الأحد أوّل تشرين الثاني  2015

في العطاء