...

المحبّة والعطاء

نفهم من إنجيل اليوم أنّ السيّد كان مع الناس، كان مُلتفتًا إليهم. فبعد أن شفى مرضاهم رأى أنّهم جياع، تحنّن عليهم فأكثر الخبز. العلاقة بين الناس، حتى تكون مجدية، ينبغي أن تنطلق من حنان، لا أن تكون علاقة قانون وحسب، فلا نقول هذه حدودي وهذه حدودك، وهذا حقّي وهذا حقّك. هذه لغة بين أهل الدنيا سائرة ولكنّها لا تكفي. اللغة الشافية هي اللغة التي تنطلق من القلب وتذهب إلى القلب.

 

 

تحنّن يسوع عليهم ثمّ أخذ خمسة أرغفة وسمكتين. نلاحظ أنّ الشيئين اللذين أخذهما كانا من حياة الناس. حول بحيرة طبريّا كان الناس يأكلون خبزًا وسمكًا. لكنّ الإنجيل يذهب إلى أبعد من ذلك، فالخبز اتُّخذ في ما بعد ليكون جسد يسوع والسمكة اتّخذها المسيحيّون الأوّلون رمزًا للسيّد، صورة عنه لأنّ أحرف كلمة سمكة باليونانيّة، وهي خمسة، تشكّل الأحرف الأولى من كلمات «يسوع المسيح ابن الله المخلّص».

أراد يسوع أن يهيّئهم إلى أنّه سوف يعطيهم شيئًا أعظم من الخبز والسمك. وقد دلّ الإنجيل على هذا المعنى الرمزيّ إذ قال: «بارك وكسر، وأَعطى» وهي الكلمات التي استعملها في العشاء الأخير عندما أعطى تلاميذه جسده ودمه.

وقد لاحظ يوحنّا الحبيب في الإنجيل الرابع، عندما أورد هذه الأعجوبة التي نقرأها اليوم من بشارة متّى، أنّه يقصد شيئًا أبعد من إكثار الخبز. ولهذا أورد عظة معروفة هي العظة عن الخبز النازل من السماء: ليس كما أكل آباؤكم وماتوا ولكن من يأكل من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. ثمّ شرح لهم أنّه سوف يثبت معهم ويثبتون هم معه إن عرفوا أنّه هو الذي سوف يفدي الناس وسوف يترك لتلاميذه حضوره في ما بينهم بشكل الخبز والخمر.

ننتبه هنا إلى أنّ يسوع نظر إلى السماء ثمّ أعطى. الإنسان لا يعطي إلّا من السماء. ما يخرج من اليد يوضع في يد أخرى، وأمّا ما يخرج من القلب ففي قلب آخر يوضع. ولكن ما يخرج من القلب يمكن أن يكون غير طاهر، فمن فضلة القلب يتكلّم اللسان (لوقا ٦: ٤٥). القلب يعطي طهارة أو يعطي فسادًا. القلب فيه الدنيا كلّها، عواصفها، شهواتها. ولهذا لا يعني شيئًا أن أقول لإنسان آخر: أحبّك من كلّ قلبي، فقد أكون محبًّا له حبًّا مصلحيًّا، استيلائيًّا، استبداديًّا، شهوانيًّا. المهمّ أن يصدر الله من قلبنا، أن يفيض الروح القدس من قلبنا حتّى نحب. ولهذا قال: «بارك ثمّ كسر وأعطى»، المهمّ أن نعطي ونحن في البركات، في النعمة الإلهيّة، في القداسة. كلّ عطاء آخر تبديد أو هوى في النفس أو استغلال.

ليس المهمّ أن أبقى أنا في قلوب الناس فأنا عابر، المهمّ أن يلتفتوا إلى الله معطيهم وأن يعرفوا أنّهم أخذوا الخبز بأعجوبة. ليس اللقاء بين إنسان وآخر، اللقاء بين الله في إنسان يبعثه في إنسان آخر إن أحبّه. ليس العطاء المادّيّ سوى رمز وأسلوب وتربية حتّى تتدرّب قلوبنا على العطاء الكامل، عطاء المحبّة والطهارة من قلب تألّه إلى قلب نريده أن يتألّه.

كلّ عطاء دون هذا لا قيمة له. أن نعطي يعني أن نعطي كلّ شيء انتباهنا، اهتمامنا، صحتّنا، أيّامنا وليالينا، نعطي الحياة كلّها على غرار المعلّم أو ليس من عطاء.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالة: ١كورنثوس ١٠:١-١٧

يا إخوة أَطلب إليكم باسم ربّنا يسوع المسيح أن تقولوا جميعكم قولًا واحدًا وألّا يكون بينكم شقاقاتٌ بل تكونوا مكتملين بفكرٍ واحدٍ ورأيٍ واحد. فقد أَخبرني عنكم يا إخوتي أهل خْلُوي أنّ بينكم خصومات، أَعني أنّ كلّ واحد منكم يقول أنا لبولس أو أنا لأبولّوس أو أنا للمسيح. ألعلّ المسيح قد تجزّأ. ألعلّ بولس صُلِب لأجلكم، أو باسم بولس اعتمدتم. أشكر الله أنّي لم أُعمّد منكم أحدًا سوى كرسبُس وغايوس لئلّا يقول أحدٌ إنّي عمّدت باسمي؛ وعمّدت أيضًا أهل بيت إستفاناس؛ وما عدا ذلك فلا أَعلم هل عمّدت أحدًا غيرهم لأنّ المسيح لم يُرسلني لأُعمّد بل لأُبشّر لا بحكمة كلامٍ لئلّا يُبطَل صليب المسيح.

 

الإنجيل: متّى ١٤: ١٤-٢٢

في ذلك الزمان أبصر يسوع جمعًا كثيرًا فتحنّن عليهم وأبرأ مرضاهم. ولمّا كان المساء، دنا إليه تلاميذه وقالوا: إنّ المكان قفرٌ، والساعة قد فاتت، فاصرف الجموع ليذهبوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعامًا. فقال لهم يسوع: لا حاجة لهم إلى الذهاب، أَعطوهم أنتم ليأكلوا. فقالوا له: ما عندنا ههنا إلّا خمسة أرغفة وسمكتان. فقال لهم: هلمّ بها إليّ إلى ههنا. وأمر بجلوس الجموع على العشب. ثمّ أخذ الخمسة الأرغفة والسمكتين ونظر إلى السماء وبارك وكسر، وأَعطى الأرغفة لتلاميذه، والتلاميذُ للجموع. فأكلوا جميعهم وشبعوا ورفعوا ما فضُل من الكِسَر اثنتي عشرة قـفّةً مملوءةً. وكان الآكلون خمسة آلاف رجلٍ سوى النساء والصبيان. وللوقت اضطرّ يسوعُ تلاميذه إلى أن يدخلوا السفينة ويسبقوه إلى العَبْرِ حتّى يصرف الجموع.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحبّة والعطاء