...

ألوان الشهادة ليسوع اليوم

يضعك إنجيل أحد جميع القدّيسين أمام محصّلة حياة مع يسوع أو من دونه. لنا أن نتأمّل في حياة القدّيسين الذين يؤلّفون الكنيسة الظافرة حتّى ندرك هذا الأمر. فهؤلاء أحبّوا المسيح وأعلوه فوق كلّ إنسان أو غرض أو ظرف. صار يسوعُ حياتَهم، وهم بدورهم أغنوا حياة العالم بشهادتهم. كانوا في العالم من دون أن يكونوا منه، خدموا يسوع فيه ولم يخدموا الخطيئة. غلبوا الخطيئة في نفوسهم وساعدوا سواهم على أن يتغلّبوا عليها في مناحي حياتهم كافّة.شهد البعض ليسوع في مجال الذود عن الإيمان، فكانوا خير مَن حفظ حدّ الإيمان وعاشوه وعبّروا عنه، وخير مَن ساس واقع الكنيسة المضطرب عندما كثرت الذئاب الخاطفة، وخير مَن أنار نفوس المؤمنين إلى جيل الأجيال.

 

وشهد البعض ليسوع في زمن الاضطهادات، فكانوا خير مَن صبر على العذابات والظلم والافتراء والحرمان، وخير مَن غلب الألم على أشكاله بالاتّكال على الله والصلاة والرجاء، وخير مَن جسّد حقيقة محبّة الله الباذلة للإنسان.

والبعض شهد ليسوع في تكريس الذات لله، في الصوم والصلاة والنسك، في حياة الشركة أو التوحّد الرهبانيّة، فكانوا خير مَن أظهر ثمار الروح القدس في نفوسهم وتعاليمهم، وخير مَن ألهم حياة المؤمنين في أزمنة المساومة على حقيقة الإنجيل والتماهي مع روح العالم، وخير مَن قاد النفوس من أرض العبوديّة للخطيئة إلى خدر الختن.

والبعض شهد ليسوع في رعاية الخراف الناطقة، في تقديس الحياة وعيش الأسرار والأبوّة الروحيّة، وكانوا خير مَن يسهر على أعضاء جسد المسيح، وخير مَن يحتمل ضعف الضعفاء، وخير مَن جعلوا أنفسهم كلَّا للكلّ حتّى لا يبقى أحد خارج حظيرة المسيح.

وشهد البعض ليسوع في مجال بشارة الكلمة وإيصالها إلى أترابهم، فكانوا خير مَن أنقذ أخًا أو شعبًا من جهل أو إلحاد أو خطيئة، وخير مَن وضع مدماك معرفة الإنجيل وتجسيده في مجالات الحياة، وخير مَن أسّس كنيسة أو رعيّة تعيش هذه الحقيقة بالتوبة والصلاة والخدمة.

وشهد البعض ليسوع في الحياة الزوجيّة وتربية الأولاد، فكانوا خير مثال في حفظ العفّة والأمانة، وخير مَن أنشأ على التقوى والبرّ والخدمة، وخير مَن بذل نفسه من دون حساب.

والبعض شهد ليسوع في الحياة المهنيّة، فكانوا خير مَن عملوا بمناقبيّة وضمير حيّ، وخير مَن جسّدوا إيمانهم في إعلاء خدمة القريب ونموّه، بعيدًا عن روح المنافسة والمجد الباطل والتسلّط ومحبّة المال.

والبعض شهد ليسوع في مجال الكفاح من أجل العدل والسلام والحقّ والمصالحة والإخاء، فكانوا خير مَن أنار الحياة العامّة بأن قدّموا ما لله لله وما لقيصر لقيصر، وأضاؤوا بالإيمان وروح الحكمة والالتزام كيفيّة خدمة الشأن العامّ وتعزيز الحياة المشتركة ونصرة الحقّ والعدل ورفع الظلم.

والبعض شهد ليسوع في مجالات الحياة على اختلافها، من علوم وآداب وإدارة وتربية وغيرها، فأنموا مواهبهم وخدموا بها أترابهم، وساعدوا على رقيّ الإنسان وتقدّم المجتمع وتكوين الحضارة، فأبرزوا معالم الوكيل الأمين الذي أقامه الله على خليقته.

والبعض شهد ليسوع في الخفاء، فبقي غير منظور إلّا من الله ومن المتواضعين أو الودعاء أو المجاهدين مثله، فكانت لهؤلاء هذه الذكرى أيضًا سبيلًا لنكون معهم في شركة شكر وامتنان.

بفضل هؤلاء جميعًا تظهر أمامنا ميادين عديدة نجسّد فيها، على غرارهم، اعترافنا بيسوع قدّام الناس فيكلّل يسوعُ جهادَنا بأن يعترف بنا قدّام أبيه الذي في السماوات (متّى ١٠: ٣٢). ونتلمّس، في الوقت عينه، كيف أنّ شهادتهم تدين تقاعسنا وكسلنا وجهلنا وضعف إيماننا ورياءنا (متّى ١٩: ٢٨)، طالما أنّهم أثبتوا لأترابهم، جيلًا بعد جيل، إمكانيّة رسم معالم ملكوت الله في وسط العالم، بحملهم صليب الالتزام ونكران الذات ومحبّتهم الصادقة للمسيح، ومن بعده، لكلّ إنسان وقريب (متّى ١٠: ٣٧-٣٨). ما أحلى هذا الطريق الذي شقّه لنا مَن سبقنا في محبّة الله والقريب وترجمها في ظروف الحياة على اختلافها! هلّا مَضَينا قدمًا في هذه المسيرة برجاء وامتنان؟

+ سلوان متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالة: عبرانيّين ١١: ٣٣-٤٠، ١٢: ١-٢

يا إخوة إنّ القدّيسين أجمعين بالإيمان قهروا الممالك وعملوا البرّ ونالوا المواعد وسدّوا أفواه الأسود، وأطفأوا حدّة النار ونجوا من حدّ السيف وتقوّوا من ضعف وصاروا أشدّاء في الحرب وكسروا معسكرات الأجانب، وأخذت نساء أمواتهنّ بالقيامة، وعُذّب آخرون بتوتير الأعضاء والضرب، ولم يقبلوا بالنجاة ليحصلوا على قيامة أفضل، وآخرون ذاقوا الهزء والجلد والقيود أيضا والسجن، ورُجموا ونُشروا وامتُحنوا وماتوا بحدّ السيف، وساحوا في جلود غنم ومعزٍ وهم مُعوَزون مُضايَقون مَجهودون، ولم يكن العالم مستحقًّا لهم، فكانوا تائهين في البراري والجبال والمغاور وكهوف الأرض. فهؤلاء كلّهم، مشهودًا لهم بالإيمان، لم ينالوا الموعد لأنّ الله سبق فنظر لنا شيئا أفضل أن لا يَكْمُلوا بدوننا. فنحن أيضا اذ يُحدِقُ بنا مثلُ هذه السحابة من الشهود فلنُلقِ عنّا كلّ ثقلٍ والخطيئةَ المحيطةَ بسهولة بنا، ولنُسابق بالصبر في الجهاد الذي أمامنا، ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمّله يسوع.

 

الإنجيل: متّى ١٠: ٣٢-٣٣، ٣٧-٣٨، ١٩: ٢٧-٣٠

قال الربّ لتلاميذه: كلّ من يعترف بي قدّام الناس أَعترف أنا به قدّام أبي الذي في السماوات. ومن يُنكرني قدّام الناس أُنكره أنا قدّام أبي الذي في السماوات. من أحبَّ أبًا أو أمًّا أكثر منّي فلا يستحقّني، ومن أَحبّ ابنًا أو بنتًا أكثر منّي فلا يستحقّني. ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقّني. فأجاب بطرس وقال له: هوذا نحن قد تركنا كلّ شيء وتبعناك، فماذا يكون لنا؟ فقال لهم يسوع: الحقّ أقول لكم إنّكم أنتم الذين تبعتموني في جيل التجديد، متى جلس ابنُ البشر على كرسيّ مجده، تجلسون أنتم أيضًا على اثني عشر كرسيًّا تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر. وكلّ من ترك بيوتًا أو إخوة أو أخوات أو أبًا أو أمًّا أو امرأة أو أولادًا أو حقولًا من أجل اسمي يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبديّة. وكثيرون أَوَّلون يكونون آخِرين وآخِرون يكونون أوّلين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ألوان الشهادة ليسوع اليوم