...

العـــــــــراق

 

عرف العراق (بلاد ما بين النّهرَين) المسيحيّة منذ نشأتها. وعلى الرّغم من الإضطهادات والحروب، استمرّت المسيحيّة عبر العصور. في الوقت ذاته، شَهِدَت تلك البلاد تنوُّعًا دينيًّا وطائفيًّا ومذهبيًّا. ليست هذه الديانات أو المعتقدات محصورَة بالإسلام والمسيحيّة. إلى جانب ذلك، العراق يَرِثُ حضارةً قديمةً جدًّا هي حضارة ما بين النّهرَين دجلة والفرات، حضارة الآشوريّين والبابليّين والسُّومريّين… بعدها، اشتهرت المدن الرّئيسيّة الثّلاث: بغداد والموصِل والبُصْرَة، منذ أيّام العبّاسيّين إلى العهد العثمانيّ. في كلّ هذه الحَقَبَات ساد الإختلاط الدّينيّ والمذهبيّ، وكانت الشّعوب في تعايشٍ سِلْمِيٍّ، على الرغم من الفروقات المتنوِّعَة، وعلى الرّغم من وجود المدن المَرْجَعِيَّة الخاصّة، كالنَّجَفِ وكَرْبَلَاء. الخرابُ الكبيرُ حصلَ أيّام غزو التّتار لبغداد، حين أُحْرِقَتِ المكتبات العظيمة الغنيّة بالعلوم والفنون، ولا شكّ أنّ هذا الغزو أَلْحَقَ الأذى بالمسيحيّين آنذاك. 

* * *

أَقْدَم الدّيانات الّتي ما زالت حاضِرَة في أيّامنا هي الصابئة. يعتقدون بكتاب مقدّس “كنزاريا”، أنزله الله على آدم أبي البشر. هناك، أيضًا، الدّيانة الإيزيديّة، الّتي استهدفتها الدّولة الإسىلاميّة الحاضِرَة، وقُتِلَ وهَاجَرَ معظم أبنائها. هي امتدادٌ للزرادشتيّة، الّتي تعتقد بعبادة الخير والشّرّ. نذكر، أيضًا، المذهب البَهَائيّ الّذيهو فرع من الشّيعة يعتقد بظهور المَهْدِيِّ المُنْتَظَر. لا بدّ أن نذكر مَوْقِعَةَ كربلاء الّتي شَهِدَت مقتلَ الحُسَيْنِ بن علي بن أبي طالِب ورفقته في يوم عاشوراء. وفي النّجف نشهد لمرقد عليّ.

* * *

أمّا المسيحيّة، فهي دخلت العراق منذ القرون الأولى على يد الرّسل الّذين ذهبوا إلى الهند وأقاصي الشّرق. المسيحيّون هم، الآن، أشوريّون (نساطِرَة) وسريان وكلدان (كاثولِيك) وأرثوذكس، وقد اشتهروا عبر التّاريخ بثقافتهم، وشاركوا رئيسيًّا في إرساء الحضارة. منهم قدّيسون كبار، كالقدّيس اسحق السّريانيّ. منهم، أيضًا، من حاور الإسلام كـطيموثاوس الجاتليف بطريرك بغداد النّسطوريّ وغيره. كذلك، اشتهر اللّاهوتي الأرثوذكسيّ ثاوذورس أبو قرّة. نشهد اليوم لهجرة كبيرة، بخاصّة من الموصِل ومنطقة نينوى، على الرّغم من موقفهم السِّلْمِيّ وعدم حملهم السّلاح. نرجو أن تبقى الأقلّيّة خميرة نهضة دينيّة وحضاريّة.

 

أخيرًا وليس آخِرًا، نشير إلى الأديار العديدة الّتي أُنْشِئَت في بلاد ما بين النّهرين عبر العصور، وقد أحصى أحدهم سنة 998 م. سبعة وثلاثين ديرًا، منها دير هند بنت النّعمان بنت المنذر في الحيرة وقد تعهّد القائد خالد بن الوليد بالحفاظ عليه.

 

هناك، أيضًا، دير الأعلى في الموصِل أيّام العبّاسيّين. نذكر، أيضًا، دير باب الشّمّاسيّة في بغداد وهو يقع على نهر المَهْدِيّ.

وما زال المسيحيّون صامدين، على الرّجاء أن تبقى الأرض مسيحيّة حتّى المجيء الثّاني…

 

أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

عن “الكرمة”، العدد 53، الأحد 28 كانون الأوَّل 2014

العـــــــــراق