...

الفأس على أصل الشّجر!.

 

 

هذه هي المسألة: أن تكون مع يسوع أو أن لا تكون!. فإذا لم تكن معه فأنت، لا محالة، عليه!. لا إمكان حياد!. “مَن ليس معي فهو عليّ”. المعيّة لا تعني التّبعيّة بل التّعاون. والتّعاون وقْف على إرادتك. في هذه الحال، أنت شريك. فإذا كان ربّك الخالق وأنت المخلوق، الآتي من العدم، فهو الّذي يجعلك له شريكًا!. هو يفرض الشّراكة… على ذاته!. ولماذا يفرضها؟ لأنّه محبّة!. هذا جوهر كيانه!. والمحبّة تفترض الشّراكة!. هذه حتميّة المنزّه عن الحتميّات!. الحتميّة الإراديّة، لأجل المفارقة!. يستخدم نفسَه لكلّ أحد، ولا يقدر أن يستخدمه أحد!. جاء ليَخدم!. ليَخدم كلَّ النّاس، أخيارًا وأشرارًا!. للأخيار خادمٌ لمقاصدهم الخيِّرة، وللأشرار معين على مقاصدهم الشّرّيرة!. لذا كلّ صلاح منه وكلّ طلاح ابتعادٌ عنه!. فمَن نسب خيرًا لنفسه كان خيرُه زيفًا، ومَن نسب شرًّا لربّه كان شرّه تضليلاً!. في كلّ حال، يبقى ربّك إليك!. يُنجح مسعاك إذا ما رمتَ صلاحًا، ويُفشل طرقك إذا ما ابتغيت فسادًا!. والنّجاح والفشل قد يَظهران وقد لا يظهران!. فإن أظهر نجاحك فلكي يشدِّدك في الصّلاح، إن كنت ضعيفًا في النّفس، أو لكي يشجِّع سواك على انتهاج سبل الصّلاح نظيرك؛ وإن أظهر فشلك فلكي ينميك في الاتّضاع، إذ تكون قويتَ في النّفس، بالقدر الكافي، لأنّ النّجاح الحقّ هو في الرّوحيّات، لا في الجسديّات؛ وأيضًا، إن أظهر فشلك فلكي يُخفي نجاحك عن عيون المستهترين ليستغرقوا في استهتارهم، إذ لا يقيمون وزنًا للإلهيّات!. والقول عينه يقال حيث لا يُظهر ربُّك نجاحك أو فشلك!. قصدُ ربّك، لذوي القصد الحسن، في كِلا الحالين، التّشديدُ والتّرويض، بالتّعزية والتّعزيز، حينًا، وبالحرمان والصّبر، حينًا!. وقصدُه، لذوي القصد الرّديء، التّوبة والتّخلّي، التّوبة بالألم، حينًا، والتّخلّي بالتّسليم للشّيطان، حينًا، متى عاندوا، عساهم يرتدّون، كما فعل الرّسول بولس بهمنايس والإسكندر ليتعلّما الكفّ عن التّجديف (1 تيموثاوس 1: 20)!.
ليس أحد يَخدع الله!. يسوع علاّم القلوب!. ربّما يخدع بعضَ النّاس!. لذا، لا يقدر أحدٌ أن يستخدم الله ليزكّي مراميه الفاسدة!. بين الّذين يقولون بالله، يحاول!. أمّا بين الملحدين المعلَنين، فلا يأتي على ذِكره!. النّفعيّ يمثّل الإيمان بين المؤمنين، أو المزعومين مؤمنين، ويمثّل الإلحاد بين الملحدين، أو المزعومين ملحدين!. يتلوّن بلون الأرض الّتي يمشي عليها كالحرباء، ولا ينتمي إلاّ لنفسه!. والمنخدعون هم الّذين قلوبُهم غير مستقيمة من جهة الله!. الله يضيء القويم فتستبين لعينيه فخاخُ المخادِع، وإيّاه يحكِّم!. أمّا غير المستقيمين فحقول تجارب للمخادِعين!. الرّبّ يحفظ الأطفال، الأنقياءَ القلب، أمّا المنافقون فيُسلمهم لمستغلّيهم؛ هو لتأديبهم، ومستغلّوهم لاستهلاكهم!. يتظاهر المخادِع بالنّعومة ليلدغ، ويتظاهر الله بالقسوة ليُرهب!. المخادِع قصدُه الإهلاك، والله قصدُه الإرعواء!. لا طاقة للمخادع على استغلال الله، أمّا الله فيحوِّل خداع الخدّاعين علاجًا للمخدوعين، كما يحوِّل الطّبيبُ الماهرُ سمّ الحيّة ترياقًا، والأفسنتينَ المرَّ تنقيةً للكبد!. الله لا يُشمَخُ عليه، وهو الآخذ المراوغين، الحكماءَ في عيون ذواتهم، بمكرهم!.
لا تحتاج إلى الكثير لتكون مع يسوع: “استقامةٌ ودِرهم”، فيُسبغ عليك “ألف دينار”!. قلبُك أوّلاً، لكنْ، قلبُك كلُّه، والباقي ما تيسّر!. باللّغة الّتي تفهمها يكلِّمك، ومن منطلق حالك يعاملك!. ليس عند ربّك غنيّ أو فقير، متعلِّم أو أمّيّ… خطابه لكلّ إنسان خطاب القلب للقلب!. قلبُك الملتمَس!. أعطني قلبك يا بنيّ!. أحبّ واعمل ما تشاء!. الإنسان قلب، والبقيّة، في الإنسان، أقنيتُه!. لذا، فوق كلّ تحفّظ احفظ قلبك، يا بنيّ، لأنّ منه مخارجَ الحياة!.
بإمكانك، إن لم تكن متعاونًا مع ربّك، أن تشاغب عليه!. فإن فعلت آذيت نفسك كمَن يجرح نَفْسه، لأنّه نَفَسُك!. نفَسُ أنوفِنا مسيحُ الرّبّ!. هو لا يؤذيك بحال!. المحبّة تنجرح ولا تؤذي!. لكنّك لا تعرقل عمله!. لا أحد يستطيع شيئًا ضدّ الله بل لأجل الله!. مَن يقدر أن يرفس مناخس؟!. ما قد يبدو كأنّه عرقلة أو تعطيل لعمل الله يساهم، من حيث لا يدري المنافقون، في تحقيق عمل الله!. أما كان الصّليب عملَ الشّيطان وزبانيّته، ولكنْ، به تمّم ربُّك قصدَ أبيه السّماويّ وحقَّق الخلاص؟!. العثرات لا بدّ منها؛ ولكنْ لم يقل ربّك: ويل لمَن تأتي عليه، بل ويل لمَن تأتي على يده!. ظاهرًا، العثرة تُفسِد؛ عمليًّا، لا تُفسد إلاّ أصحابها!. أمّا في تدبير ربِّك فما يسمح بها إلاّ لكشف حقيقة النّفوس لعيون أصحابها عساهم يصلحون ذواتهم!. فقط غير المستقيمين يسقطون ويبتعدون، أمّا المستقيمون فيألمون ويسترحمون!. المتراخون يشدّون أحقاءهم ويتوبون، فيما المستهترون يشمتون ويزدادون استهتارًا!. في زمن العثرات غربلةٌ وتهوئة وتجديد، كما ينقّي الفلاّح القمح من الزّؤان، ويعرِّض الحَّبَّ للرّيح لينقى من الهباء، ويبسطه للشّمس لكي تخرج منه الرّطوبة فلا يكون عرضة للتّسوّس متى ضمّه إلى مخازنه!.
كلّ مَن يصنع صلاحًا يأتي إلى مسيح الرّبّ. ولو لم يكن قد نشأ على معرفة كلمته، فإنّه متى رآه في قوم صالحين، أو سمعه في قوم كارزين، فإنّه يعترفه ويعترف به أنّه هو إيّاه، لأنّ ربّك الصّلاحُ، والصّلاحُ الّذي فيك يجعلك إليه انتماؤك!. لا تقدر أن تقول عن يسوع سوءًا، إن كان فيك ما هو منه، ولا تقدر أن تتجاهله لأنّك تنكر، إذ ذاك، نفسَك!. ليس بإمكانك أن تقول: ما عرفتُه، لأنّك لم تُبشَّر به، لأنّ معرفتك إيّاه بالرّوح كائنةٌ؛ وروح يسوع في كلّ الصّالحين واحد!. روح الصّلاح فيك هو يجعلك يقظًا، واعيًا، لا فكرُ دماغك، إلى روح الله حيثما كان!. الغرباء، في الوضع، أقرباء في القلب، متى كان روح الحقّ هو الفاعل فيهم!. لذا، كلّ مَن يصنع الشّرّ لا يُبرَّر بحجة أنّه لم يعرف الإنجيل، لأنّ الإنجيل روح قبل أن يكون وعظًا!. لذا ما يصنعه ضدٌّ للمسيح ومِن ضدّ المسيح يأتي!. بالقياس عينه، ليس مَن حفظوا كلام الإنجيل عرفوا السّيّد في الإنجيل، بل مَن حفظوا روح الإنجيل!. لا فرق بين مؤمن وكافر بما في دماغه بل بما في قلبه!. وحيث لم يستوطن روح الحقّ، فسيّان ما بين مسيحيّ وغير مسيحيّ!. لا بل، المسيحيّ المزعوم أشنع، بما لا يُقاس، لأنّه بسببه يُجدَّف على اسم الله!.
في طبيعتك ما يكفي من ميل إلى الصّلاح ليدفعك صوب مسيحك، إلاّ إذا دِنتَ بالباطل واستغرقت في الإثم وخنقت ما رسب فيك من حقّ منذ السّقوط. لا يولد أحد بطبيعة مشوّهة بالكامل. تُشوِّهها ديانات النّاس ومفاسدُ النّاس!. والتّشويه، في التّاريخ، يُتوارث وينمو. الأفعال المضادة لمسيح الرّبّ تتكثّف حتّى تبلِّغ إلى إنسان محشوّ بروح ضدّ المسيح، أي إبليس. ساعتذاك يبرز الإنسان المِسخ بالكامل، إنسان ضدّ المسيح!.
هذه الأيّام، لا ندري إن كانت لتُفضي إلى إنسان الإثم، لكن الإثم، فيها، يتكثّف على نحو غير مسبوق، وتفجّرُ الحقد، على مسيح الرّبّ، يزداد تفجّرًا، على نحو بركانيّ!. لقد بتنا، أقلّه، نلقانا، بخلاف كلّ خبرة سابقة، في حال انحدار مطّرد، متسارع، كأن لا إمكان عودة منه إلى الوراء!. قبل بابل القديمة، قيل: الجسد كلّه مريض، من الرّأس حتّى أخمص القدمين!. واليوم، نحن بإزاء بابل كونيّة، والنّفوس معتلّة، حتّى أعماق القلب!. والعالم يمتلئ روحًا بابليّة!.
… ورأيت ملاكًا صاح بصوت عظيم: سقطتْ، سقطتْ بابل العظيمة!. وصارت مسكنًا للشّياطين، ومأوى لكلّ روح نجس… وسمعتُ صوتًا آخر من السّماء: اخرجوا منها، يا شعبي، لئلاّ تشاركوا في خطاياها… لأنّ خطاياها تراكمت حتّى السّماء… (رؤيا 18).

الأرشمندريت توما (بيطار)، رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي ، دوما – لبنان
عن “نقاط على الحروف”، 19 نيسان 2015

 

 

الفأس على أصل الشّجر!.