عندما شرح يسوع مثل الزارع لتلاميذه كشف لهم واقع العالم الذين هم مدعوّون إلى تبشيره بالكلمة
ودعوته إلى الإيمان بالمسيح. فعمل الزارع لا يقتصر على عمليّة رمي آليّة للبذار، بل هاجسه هو أن تقع
هذه البذار في الأرض الصالحة، وليس على الطريق أو بين الأشواك ولا على الصخرة. كيف له أن
يأخذ على عاتقه مهمّة الزرع في الأرض الصالحة فيكون نصيبه من نصيب «الذين يسمعون الكلمة
فيحفظونها في قلب جيّد صالح ويثمرون بالصبر» (لوقا ٨: ١٥)؟ فكيف «يخرج الزارع ليزرع
زرعه» (لوقا ٨: ٥) وما هي بعض التجارب التي تعترض سبيل ممارسته دور الزارع الصالح؟
تكمن التجربة الأولى في عدم معرفته بطبيعة الأرض التي يرعاها، وتاليًا حسن اختياره مضمون
الرسالة التي يوجّهها، والطريقة التي بها يشدّ نفوس المؤمنين إلى أن يلتقطوا الكلمة الإلهيّة ويعيشوا
بموجبها. فاستيعاب الزارع لحقله يشكّل حاضنة أساسيّة للكلمة-الرسالة التي يتمخّض بها، وأمّا استنباطه
الوسيلة-اللغة النافعة التي بها يخاطب النفوس فجسرٌ يصله بقلوبهم وينير به واقعهم. سوى ذلك يكون
زراعًا على الطريق (لوقا ٨: ٥)، بوجوده خارج الواقع المطلوب منه أن يخاطبه!
أمّا التجربة الثانية فتأتي من ممارسته عمليّة الزرع بشكل آليّ، أي على شاكلة موظّف موكل بمهمّة ليس
إلّا. الحقيقة أنّ لشخص الزارع دورًا في إيصال الكلمة، هذا لأنّه إذا كانت الرسالة التي يحملها متجسّدة
في حياته، في سلوكه ومعاملته، في أقواله وأفعاله، لمس متلقّيها أنّ أمامه مثالًا حيًّا، حاملًا الصفات التي
يتحدّث عنها الإنجيل كالصبر والمحبّة والتضحية والأمانة والتواضع. سوى ذلك، يكون زارعًا على
الصخر لأنّ لا «رطوبة» فيه (لوقا ٨: ٦)، بفعل الجفاف الروحيّ الذي يعيشه!
أمّا التجربة الثالثة فتتلوّن بألوان الإحباط على أنواعه. فهناك الإحباط الناتج من معاينته ضعفاته، أو
مقدرته على القيام بدور الزارع خير قيام، أو حساسيّته من عثرات، مقصودة أو غير مقصودة، قد تعيق
إيصال رسالته. لربّما يؤدّي به الأمر إلى أن يفقد الثقة بنفسه، أو أن تتعطّل لديه روح المباردة، أو أن
تغيب عنه الحاجة إلى تطوير ذاته، أو أن يتخلّى عن عمليّة التفاعل الشخصيّ الحيّ مع الكلمة الإلهيّة
ومع الواقع الذي يخاطبه ويتوجّه إليه بآن.
وهناك أيضًا الإحباط المتأتّي من معاينة ضعفات المتلقّي، سواء كانوا أفرادًا أم جماعة (العائلة، أبناء
الرعيّة، إلخ)، وذلك بفعل ما يلاحظه فيهم من عدم اهتمام أو استهتار أو أنانيّة أو اهتمامات عالميّة أو ما
يعيق التفاعل الحيّ مع الكلمة. قد ينكفئ الزارع على نفسه فيتخلّى عن إلقاء الكلمة، أو يرميها بقرف أو
بروح إدانة أو تعالٍ أو تسلّط.
كلمة الراعي
تجارب الزارع الصالح الثلاث