...

كلمة الراعي حوار طرشان أم تعميد الرؤية؟

 

 

 

إنجيل اليوم يحدّثنا عن رؤية الله لوجودنا وحياتنا، ويدعونا لنكوّن رؤيتنا على أساسها وأن نبني حياتنا
عليها. يحدّثنا عن أمور جوهريّة تمسّنا، عن حاجاتنا اليوميّة، عن توجّهاتنا الحياتيّة، المنزليّة والمهنيّة
والتربويّة والاقتصاديّة، وعن حياتنا الروحيّة. 
بالطبع، لم يستخدم يسوع هذه التعابير المتداولة في عالمنا المعاصر، بل تناول علاقتنا بالمال والمأكل
والملبس، وهمّنا في تأمينها أو حيازتها. يتميّز كلامه بالبساطة الكلّيّة. وبهذه البساطة يقودنا يسوع إلى
الآب. غايته أن يصير أبوه أبانا، بملء قناعتنا وخيارنا وإيماننا به. ينقل إلينا بساطة الحياة مع الآب
والوقوف في حضرته والعمل تحت عنايته، ويترك عرضه في عهدتنا لنرتاح إليه ونحيا به. هكذا تنقلب
حياتنا رأسًا على عقب، فعوضًا من أن تكون سلسلة متلاحقة من هموم ومآزق، تتحوّل إلى حلقات
بركات وعناية.
ما رأيك، مثلًا، حينما يطرح علينا السؤال: «انظروا إلى طيور السماء: إنّها لا تزرع ولا تحصد ولا
تجمع إلى مخازن وأبوكم السماويّ يقوتها. أَلستم أنتم بالحريّ أفضل منها؟» (متّى ٦: ٢٦)؟ أو هل تثق
بتأكيده الذي خلُص إليه: «لا تهتمّوا قائلين: ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا نلبس؟ فإنّ هذه كلّها تطلبها
الأمم. لأنّ أباكم السماويّ يعلم أنّكم تحتاجون إلى هذه كلّها» (متّى ٦: ٣١-٣٢)؟ فعناية الله وحرصه
يظهران في اهتمامه بدقائق الأمور، وبكلّ النواحي، تلك الخاصّة بالإنسان وتلك المتعلّقة بالخليقة الجامدة
والحيّة. والذين يعرفون الله ويؤمنون به، حريّ بهم أن يقرنوا القول بالفعل، فلا تكون شهادتهم مثل الأمم
الذين لا يعرفون مقدار عناية الله وصلاحه ومحبّته.
يبدو لنا هذا الكلام «حوار طرشان». ربّ قائل إنّنا نعيش على المقلب الآخر من حديث يسوع معنا.
فنحن منغمسون في شؤون الحياة وشجونها، وقد بلغت من التعقيد مبلغًا أفقدت نظرتنا تلك الرؤية المنيرة
التي يتحدّث عنها يسوع. هناك بون شاسع بين نظرتنا وبين تلك التي يدعونا الربّ إلى أن نتبنّاها في
واقعنا الشخصيّ والجماعيّ.
يبدو أنّ المسألة التي يطرحها يسوع علينا في الإنجيل تتمثّل بأن نجيب عن هذه الأسئلة: بماذا تثق؟ على
مَن تتّكل؟ ما الذي يؤمّن لك الحماية؟ مَن الذي يضمن حياتك؟ هل تضع ثقتك أوّلًا في ما لك من قدرة
شخصيّة أو خبرة أو علاقات أو مقتنيات أو أموال؟ هل تربّي عليها وتبني حياتك على أساسها؟ هل
السعادة والأمان يكمنان في المادّيّات والمقتنيات؟
لقد تشرّبنا كثيرًا ما يروّج له الإعلام ومجتمع الاستهلاك بحيث استحوذ علينا روح العالم، وما عاد روح
الربّ مقيمًا في قلوبنا. اضطرابنا يزيد بفعل هذه الغربة فينا، غربتنا عن روح الله المعزّي التي تحيي
وترشد وتشفي. لهذا قال يسوع: «لا تقدرون على أن تخدموا الله والمال» (متّى ٦: ٢٤). هذه الغربة

تجعل رؤيتنا مضطربة، فلا هي واضحة ولا واثقة ولا صحيحة. أن تكون الرؤية واضحة وواثقة
وصحيحة أمر يبثّه فينا روح الله فتعمل الأشياء كلّها للخير في عين مَن يؤمن به.
على هذا النحو تفيد مؤهّلات الإنسان وموارده ومكتسباته، فتبنيه وتبني محيطه في الخير. هذا يأتي من
كونها موضوعة تحت سقف الاعتماد على الله وليس فوقه أو من دونه. تنبيه يسوع واضح: «لا يقدر
أحد على أن يخدم سيّدَين لأنّه إمّا أن يبغض الواحد ويحبّ الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر» (متّى
٦: ٢٤). فهو يحذّرنا من تسلّط المال علينا مع ما يستتبع تسلّطه من ويلات على حياتنا الشخصيّة في
خياراتنا وتوجّهاتنا، وعلى تربيتنا لأولادنا، أو على حياتنا الاقتصاديّة والاجتماعيّة. إنّه واقعنا المرير
الذي نسعى إلى أن نبدّله بقوّة الإيمان بالله، وتبديل ذهنيّتنا وتعميد نظرتنا بنظرة يسوع وعناية الله. هاكم
كيف يرجونا الربّ أن ننمو ونقوى ونثمر: «اطلبوا أوّلًا ملكوت الله وبرّه وهذه كلّها تزاد لكم» (متّى ٦:
٣٣). هلّا أنارت كلمته هذه وجودنا فعاينّاها بنور عنايته وصلاحه ومحبّته؟

سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)
 

الرسالة: رومية ٥: ١-١٠
يا إخوة اذ قد بُرّرنا بالإيمان فلنا سلام مع الله بربّنا يسوع المسيح الذي به حصل أيضًا لنا الدخول
بالإيمان إلى هذه النعمة التي نحن فيها مُقيمون ومفتخرون في رجاء مجد الله. وليس هذا فقط بل أيضًا
نفتخر بالشدائد عالمين أنّ الشدّة تنشئ الصبر، والصبر ينشئ الامتحان، والامتحان الرجاء، والرجاء لا
يُخزي، لأنّ محبة الله قد أُفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي أُعطي لنا، لأنّ المسيح إذ كنّا بعد ضعفاء
مات في الأوان عن المنافقين، ولا يكاد أحد يموت عن بارّ. فلعلّ أحدًا يُقدم على أن يموت عن صالح؟
أمّا الله فيدلّ على محبّته لنا بأنّه، إذ كنّا خطأة بعد، مات المسيح عنّا. فبالحريّ كثيرًا إذ قد بُرّرنا بدمه
نخلُص به من الغضب، لأنّا إذا كنّا قد صولحنا مع الله بموت ابنه ونحن أعداء، فبالحريّ كثيرًا نخلُص
بحياته ونحن مُصالَحون.
 
الإنجيل: متّى ٦: ٢٢-٣٣
قال الربّ: سراج الجسد العين. فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كلّه يكون نيّرًا. وإن كانت عينك شرّيرة
فجسدك كلّه يكون مظلمًا. وإذا كان النور الذي فيك ظلامًا فالظلام كم يكون؟ لا يستطيع أحد أن يعبد
ربّين لأنّه، إما أن يُبغض الواحد ويحبّ الآخر، أو يُلازم الواحد ويرذل الآخر. لا تقدرون على أن تعبدوا
الله والمال. فلهذا أقول لكم لا تهتمّوا لأنفسكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون. أليست
النفس أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس؟ انظروا إلى طيور السماء فإنّها لا تزرع ولا تحصد
ولا تخزن في الأهراء، وأبوكم السماويّ يقوتها. أفلستم أنتم أفضل منها؟ ومَن منكم إذا اهتمَّ يقدر على أن
يزيد على قامته ذراعًا واحدة؟ ولماذا تهتمّون باللباس؟ اعتبِروا زنابق الحقل كيف تنمو. إنّها لا تتعب ولا
تغزل. وأنا أقول لكم إنّ سليمان نفسه في كلّ مجده لم يلبس كواحدة منها. فإذا كان عشب الحقل الذي
يوجد اليوم وفي غد يُطرح في التنّور يُلبسه الله هكذا، أفلا يُلبسكم بالحريّ أنتم يا قليلي الإيمان؟ فلا
تهتمّوا قائلين: ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا نلبس؟ فإنّ هذا كلّه تطلبه الأُمم، لأنّ أباكم السماويّ يعلم
أنّكم تحتاجون إلى هذا كلّه. فاطلبوا أوّلاً ملكوت الله وبرّه، وهذا كلّه يُزاد لكم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي
حوار طرشان أم تعميد الرؤية؟