...

حسد الشياطين للرّهبان

 في سيرة القدّيس مقاريوس الكبير، كما وردَتْ في السنكسار، هذه الحادثة المعبِّرة عن حسد الشياطين للرّهبان:

     أتى للقدّيس مقاريوس يومًا أحدُ كهنة الأصنام ساجدًا له قائلاً: ”من أجل محبّة المسيح عمّدني ورهّبني“. فتعجّب الأب من ذلك وقال له: ”أخبرني كيف جئت إلى المسيح بدون وعظ؟“.

     فقال له:”كان لنا عيد عظيم. وقد قمنا بكلّ ما يلزمنا. وما زلنا نصلّي إلى منتصف الليل حتّى نام النّاس. وفجأة رأيتُ داخل أحد هياكل الأصنام ملكًا عظيمًا جالسًا وعلى رأسه تاج جليل وحوله أعوانه الكثيرون فأقبل إليه واحد من غلمانه، فقال له الملك: ”من أين جئت؟“… فأجاب: ”من المدينة الفلانية“، قال: ”وأي شيء عمِلْتَ؟“… قال: ”ألقيتُ في قلب امرأة كلمة صغيرة تكلّمت بها إلى امرأة أخرى لم تستطع احتمالها فأدّى ذلك إلى قيام مشاجرة كبيرة بين الرّجال تَسبَّب عنها قتل كثيرين في يوم واحد“. فقال الملك: أبعدوه عنّى لأنّه لم يعمل شيئًا.

     فقدّموا له واحدًا آخر، فقال له: ”من أين أقبلْتَ؟“… قال: ”من بلاد الهند“. قال: ”وماذا عملْتَ؟“… أجاب: ”دخلت دارًا فوجدْتُ نارًا قد وقعت من يد صبيِ فأحرقت النّارُ الدّارَ. فوضعتُ في قلب شخصٍ أن يتّهمَ شخصًا آخر، وشهدَ عليه كثيرون زورًا بأنّه هو الّذي أحرقها“. قال له الملك: ”في أي وقت فعلت ذلك؟“… أجاب: ”في نصف الليل“. فقال الملك: ”أبعدوه عنّى خارجًا“.

     ثم قدّموا إليه ثالثًا. فقال له: ”من أين جئت؟“…. أجاب: ”كنت في البحر، وأقمتُ حربًا بين بعض النّاس، فغرقت سفنٌ وتطورَت إلى حرب عظيمة ثم جئت لأخبرك“. فقال الملك: ”أبعدوه عني“.

     وقدّموا له رابعًا وخامسًا وهكذا أَمَرَ بإبعادهم جميعًا بعد أن وصف كلّ منهم أنواع الشرور الّتي قام بها حتّى آخر لحظة.

   أخيرًا أقبَلَ إليه واحد منهم فقال له: ”من أين جئت؟“… قال: ”من الإسقيط“. قال له: ”وماذا كنت تعمل هناك؟“… قال: ”لقد كنت أقاتل راهبًا واحدًا، ولي اليوم أربعون سنة وقد صرعته في هذه اللحظة وأسقطته في الزنا وجئتُ لأخبرَك“. فلمّا سمع الملك ذلك قام منتصبًا وقبَّله ونزع التاج من على رأسه وألبسه إيّاه وأجلسه مكانه ووقف بين يديه وقال: ”حقًا لقد قمتَ بعملٍ عظيم“.

     فلمّا رأيتُ أنا كلّ ذلك. وقد كنت مُختبئًا في الهيكل، قلتُ في نفسي: ”ما دام الأمر كذلك فلا يوجد شيء أعظم من الرّهبنة“. للوقتِ خرجْتُ وجئْتُ بين يديك“.

     فلمّا سمع الأب مقاريوس منه هذا الكلام عمّده ورهبنه وكان في كلّ حين يقصّ على الإخوة أمر هذا الرّجل الّذي أصبح راهبًا جليلاً.

الأرشمندريت توما (بيطار) (1997)، لبنان ، سير القدّيسين وسائر الأعياد في الكنيسة الأرثوذكسية (السنكسار) – الجزء الثّاني، عائلة

الثالوث القدوس – دير القديس يوحنا المعمدان – دوما

حسد الشياطين للرّهبان