...

كلماتٌ مُعزّية

يسوعُنا القائم، فاعلٌ في تاريخنا، كان وكائنٌ وسيكونُ. أنشأ لنا سُبلَ رجاءٍ لا تنتهي، أعطانا ما هو أبعد من المحدود، إذ قال: «كلُّ ما تطلبونه بإيمانٍ يكون لكم». و«كلُّ شيء مُستطاع للمؤمن». لأنَّ «كلّ ما هو غير مُستطاع عند الناس مُستطاعٌ عند الله».

عبارة كلّ، تفتح لنا الآفاق على اللّامحدود. لأنّها مدى أوسع من المنظور، ورجاءٌ لامحدود بالله اللّامحدود.

مسيحُنا أَلْهَمَ فكان الإلهام. أوحَى فبدأ الوَحي. أعطى الرسلَ والقدّيسين نفحاتٍ ونفحات. استبان للتلاميذ فخطّوا «الكلامَ الأوَّلَ عن جميعِ ما ابتدَأ يسوع يَفعلهُ، ويُعلِّم به إلى اليومِ الذي ارتفَعَ فيه، بعدَ ما أوْصَى بالروحِ القُدُسِ الرسُلَ الذين اختارهُم، الذين أراهُم أيضًا نفسَه حيًّا ببراهينَ كثيرةٍ، بعدما تألَّم، وهو يظهرُ لهم ويتكلِّم عن الأُمور المختَصَّة بملكوت الله» (أعمال ١: ١-٣). دَفَقَ النعمة فعاش الأوَّلون قداسة الرجاء واثقين بمواعيد الله، مُستندين لا إلى القوى البشريّة، بل إلى العون المجّانيّ النازل من السماء.

إلهنا الحقّ واكب وجودنا الضعيف، بعد القيامة والصعود. مَسْحَنَه بذاته. مَحا التردّد والخوف والقلق الذي طاوَلنا. ظهر أربعين يومًا يُقَوّم ويعزّي. لاحظ حتّى ارتباك الأخصّاء والمقرّبين أيضًا، لكنّه بارك وغفر واستوعب قلقنا كبَشرٍ. خشي علينا أن نبقى أسرى العبوديّة عُراةً. فأفاضها عنصرةً بالروح غامرةً للكون. أسّس بحقٍ شعبًا خاصًّا، كهنوتًا ملوكيًّا، أمّةً مقدّسة. طهّرنا بالماء والروح، أقامنا فيه قاماتٍ من نورٍ. دفعنا إلى الحُضن الدافئ منذ اليوم.

بلسم القائم جراحنا. ثبَّت الأرجل الملتوية، أجزل اليقين بين المؤمنين، بنى الجسور مع السماء. أعطى الحياة الأبديّة قائلًا: «مَن آمن بي وإن مات فسيحيا». أحيا فينا الشعور الأخرويّ، «ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على فكر بشر، ما أعدّه الله للذين يحبّونه».

حقّق للّص رجاءَه، ولزكّا رئيس العشّارين مُبتغاه، أعطى المجدليّة خلاصها، والنسوة المريميّات فرحهم. حافظ على القصَبة المرضوضة، وأشعل الفتيلَة المُدخّنة. للمرضى كان الطبيب، وللعرج والشُلّ كان الدواء. كان كلًّا للكلّ. للركب المُخلّعة جلّس وللأيدي اليابسة قوَّمَ، حتّى للعميان أفاض البصر.

هذا العظيم نقلنا بقيامته، من الوضع الظرفيّ القهّار، إلى قِمم العلاقة معه بالروح. هو آتٍ مهما بدا للناس أنّه تأخّر. فهو بالعمق ليس عنده إسراعٌ أو إبطاء، الله يعمل في كلّ حين هو لا يتأخّر، حتّى لو مرَّ الهزيع الرابع من الليل ولم يأتِ، هو سيعمل بقوّةٍ في الوقت المناسب. مواعيد الله صادقةٌ، تُحدّدها فقط حكمتُه ورؤيتُه للأمور.

لذا الكنيسة برجائها فيه، تؤمن بأنّه كما خلّص قديمًا سيخلّص. وكما نجّى سينجّي، وكما قام سيُقيم. حتّى إنَّه كما افتقد «أولئك الذين لم ينالوا المواعيد، ناظرين من بعيد» فسيفتقد. نزل إلى جحيمنا وحطّمه. للأفراد والجماعات والهيئات أسْخَى كرمه وسيُسخي. للعواقر والأمّهات أبانَ بهاءَه. فهل، يا ترى، سيترك اليوم شعبَه ناسيًا عملَ يديه؟

«ثقوا أنا قد غلبت العالم» يقول الربّ. «لا أهملُكُم ولا أتركُكُم» «أنا معكم إلى انقضاء الدهر». «نقَشتُكم على كفّي». «أبواب الجحيم لن تقوى على الكنيسة»، «لأنّه هو في وسَطها، فلن تتزعزع».

«يفتح ولا أحد يُغلِق». في يده الحياة والموت. هو «الألف والياء البداءة والنهاية». «مَنجلُه حادٌّ في يده». «وسيجازي كلَّ واحدٍ حسب أعماله». اثبتوا يا أبناءه في الرجاء، تقوّوا في الضعف، لا تهملوا الصلاة، ولا تنسَوْا الإحسان والمؤاساة، أصبروا على الضيق، لأنّ كلّ مَن يصبر إلى المنتهى يَخلُص. آمين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلماتٌ مُعزّية