...

كلمة الراعي مداواة المرارة من الشيطان ومن التعليم المرائيّ

 

 

انتهك الإنسان حرمة الشركة مع الله بعصيانه وصيّته، بعد أن استماله الشيطان وانتهك حرمته في عمق أعماقه، إذ عمل على توجيه إرادته وتلويث عقله وتحريك الشهوة في قلبه في الاتّجاه الذي يعزّز تغرّبه عن الله. هكذا انكشفت أمام الإنسان معالم حرب روحيّة غير منظورة، فيها يمكن أن يخسر ليس فقط حرّيّته بل نفسه إلى الأبد، وتنبّه أيضًا إلى أنّ الله هو بالفعل الضامن الحقيقيّ والوحيد لحياته، والمنقذ إيّاه من المرارة المزدوجة الآتية عليه، تلك الآتية من الداخل وتلك الآتية من الخارج.

أخرجت البشرى بيسوع المسيح الإنسانَ من المراوحة المميتة التي سبّبتها له الخطيئة من الداخل، والمرارة التي يقوده إليها الشيطان من الخارج، عدا عن المرارة التي يسبّبها الإنسان لأخيه الإنسان. لقد وضعته هذه البشرى في تماس مع مبادرة الله الهادفة إلى أن تستعيده إلى حضن الشركة معه، وتنزع منه سمّ المرارة القاتل بمنحه كلمة الحياة المحيية.

نعثر على إحدى هذه المحطّات في حادثة شفاء المرأة المنحنية الظهر التي «لم تقدر على أن تنتصب البتّة» بسبب «روح ضعف» سيطر عليها مدّة «ثماني عشرة سنة» (لوقا ١٠: ١١). فهذه المرأة نموذج لمعاناة الإنسان الجسديّة والروحيّة، سواء بفعل انحناء ظهرها أو سيطرة روح شيطانيّة عليها. واجه يسوع هذا الواقع بالإضافة إلى المعرقلين قصد الله في تحرير المعذّبين وخلاصهم. هذا حصل بدءًا عندما لامس يسوعُ عن قرب واقع الإنسان المتغرّب عن الله، فدعا المرأة إليه لـمّا لاحظها، ووضع يدَيه عليها وشفاها من دائها الروحيّ والجسديّ. فمع قوله لها: «إنّك محلولة من ضعفك»، «استقامت ومجّدت الله» (لوقا ١٠: ١٣).

وإن بدا أنّ يسوع قد داوى المرارة المزدوجة في حياة هذه المرأة، تلك التي تعانيها في بدنها من الداخل وتلك المتسلّطة عليها من الخارج، إلّا أنّه كان عليه أن يداوي مرارة من نوع آخر، أكثر فتكًا من سابقتَيها، تلك التي تقضي على إيمان الإنسان وثقته بالله وبعنايته، وذلك عندما واجه رئيسَ المجمع المغتاظ لكونه اعتبر أنّ الشفاء انتهك حرمة السبت! استحال المخلّصُ معتديًا، والبارئُ مخالفًا. انتهك يسوع حرمة الله بانتهاكه حرمة السبت، وبذلك انتهكت المرأةُ حقّ الله بتكريسه السبت لعبادته وذلك بقدومها إلى يسوع وتلبيتها دعوته إليها. على هذا الأساس انبرى هذا الرئيس، باسم الشريعة، إلى انتهار كلّ من تسوّل له نفسه أن يحذو حذو هذه المرأة: «هي ستّة أيّام ينبغي فيها العمل، ففي هذه ائتوا واستشفوا، وليس في يوم السبت» (لوقا ١٠: ١٤).

لا شكّ في أنّ موقع المسؤوليّة لا يحتمل مواجهته بالمحاباة، فالمرارة المتأتّية من طريقة ممارستها والروحيّة التي تعتمد عليها، كما ظهر في كلام رئيس المجمع، حريّ بأن يبدّد كالهباء عمل الله في خليقته ومن أجل المخلوق على صورته، بوضعه السمّ الزّعاف مكان الطيب والبلسم الإلهيَّين. إنّها المرارة التي يقدّمها أو يتسبّب بها الإنسان لأخيه الإنسان، فيحطّم فيه أنبل ما لديه: الإيمان، فيصغي إلى صوت الله، ويلبّي دعوته، ويغرف من معين رحمته. إنّ مداواة مفاعيل هذه المرارة وتصويب مفهوم السبت لدى القيادة الدينيّة اليهوديّة ستكون من صلب مهمّة يسوع التي يتمّمها، باسم أبيه وباسم الإنسان الذي أتى ليخلّصه، بإعلانه: «السبت إنّما جُعل لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل السبت» (مرقص ٢: ٢٧). ولقد شاركنا الإنجيليّ لوقا جواب يسوع في حادثة الشفاء، جواب يجسّد حقيقة هذا المعنى إلى الأبد: «هذه هي ابنة إبراهيم قد ربطها الشيطان ثماني عشرة سنة. أما كان ينبغي أن تُحلّ من هذا الرباط في يوم السبت؟»، وذلك بعد أن فضح الممارسة القائمة بين اليهود وازدواجيّة المعايير التي يكيلون بها الأمور: «يا مرائي، ألَا يحلّ كلّ واحد منكم في السبت ثوره أو حماره من المذود ويمضي به ويسقيه؟» (لوقا ١٠: ١٦ و١٥).

ربّ سائل: هل نشعر بمرارة فينا يحتاج يسوع إلى أن ينزعها منّا؟ هل نشعر بالمرارة التي يعيشها إخوتنا وأترابنا فنعين يسوع على أن يتحرّر هؤلاء منها؟ هل نتعلّم من تأنيب يسوع أن نكتشف فينا مواطن الرياء في عبادتنا وممارستنا وخدمتنا، فنلقي عليها ضوء الإنجيل الكاشف ليداوينا؟ ربّ قائل: ما أحلانا نشعر بالخجل الذي يتركه تأنيب يسوع لنا، أو بالفرح الذي يولدّه فينا وضْعُ يدَيه علينا ليشفينا! ففي كلتَي الحالتَين، نكون على تماس معه، ونصير من أولئك المدعوّين لكي يفرحوا «بجميع الأعمال المجيدة الكائنة منه» (لوقا ١٠: ١٧)، وينشروا هذا الفرح بين أترابهم وينهضوهم إلى الإيمان الواثق بيسوع!

+ سلوان
مطران جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: عبرانيّين ١٣: ١٧-٢١

يا إخوة أطيعوا مدبّريكم واخضعوا لهم فإنّهم يَسهرون على نفوسكم سَهَر من سيُعطي حسابًا حتّى يفعلوا ذلك بسرور لا آنّين، لأنّ هذا غير نافع لكم. صلّوا من أجلنا فإنّا نثق بسرور بأنّ لنا ضميرًا صالحًا فنرغب في أن نُحسن التصرّف في كلّ شيء، وأطلب ذلك بأشدّ إلحاح حتّى أُردّ إليكم في أسرع وقت. وإله السلام الذي أعاد من بين الأموات راعي الخراف العظيم بدم العهد الأبديّ ربّنا يسوع، يُكمّلكم في كلّ عمل صالح حتّى تعملوا بمشيئته عاملًا فيكم ما هو مرضيّ لديه بيسوع المسيح الذي له المجد إلى الأبد، آمين.

 

الإنجيل: لوقا ١٣: ١٠-١٧

في ذلك الزمان كان يسوع يعلّم في أحد المجامع يوم السبت، وإذا بامرأة بها روح مرض منذ ثماني عشرة سنة، وكانت منحنية لا تستطيع أن تنتصب البتّة. فلمّا رآها يسوع دعاها وقال لها: إنّك مُطْلقة من مرضك، ووضع يديه عليها، وفي الحال استقامت ومجّدت الله. فأجاب رئيس المجمع، وهو مغتاظ لإبراء يسوع في السبت، وقال للجمع: هي ستّة أيّام ينبغي العمل فيها، ففيها تأتون وتستشفُون، لا في يوم السبت. فأجاب الربّ وقال: يا مرائي، أليس كلّ واحد منكم يحلّ ثوره أو حماره في السبت من المذود وينطلق به فيسقيه؟ وهذه، وهي ابنة إبراهيم التي ربطها الشيطان منذ ثماني عشرة سنة، أما كان ينبغي أن تُطْلَق من هذا الرباط يوم السبت؟ ولمّا قال هذا، خزي كلّ من كان يقاوم، وفرح الجمع بجميع الأمور المجيدة التي كانت تصدر منه.

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

مداواة المرارة من الشيطان
ومن التعليم المرائيّ