يدهشنا إنجيل أحد الآباء بالدسم الروحيّ الذي يحويه، سيّما وأنّنا أمام صلاة يرفعها يسوع إلى الآب أمام
تلاميذه. بفضل مضمون هذه الصلاة، نكتشف عطايا الآب للابن، وعطايا الابن لنا. هذه كلّها تنكشف لنا
في شخص يسوع المسيح.
أولى عطايا الآب للابن هي عطيّة الأبوّة، فهو يسمّيه ويخاطبه علانيّة كابن (١٧: ١)؛ وثانيها هي عطيّة
المجد الذي له من الآب «من قبل إنشاء العالم» (١٧: ٥)؛ وثالثها، عطيّة السلطان «على كلّ جسد» أن
يعطيه الحياة الأبديّة (١٧: ٢)؛ ورابعها، عطيّة «العمل» الذي «أكمله»، أي فداء البشر وخلاصهم
(١٧: ٤)؛ وخامسها، عطيّة «الناس» الذين أعطاه إيّاهم «من العالم» (١٧: ٦)؛ وسادسها، هي وحدة
الحال والشركة بينهما، (١٧: ١٠). هذه كلّها مجتمعة تشكّل الميزة الأولى لفرح الابن بالآب وبنا، لأنّ
هذه العطايا الإلهيّة هي، في النهاية، قد أُعطي لنا أن نعرفها ونؤمن بها ونعيش على أساسها!
أمّا أولى عطايا الابن للناس فهي أن يكونوا شهودًا لصلته الحيّة بالآب بالصلاة (١٧: ١)؛ وثانيها، أن
يعرف الناس أنّ أباه هو «الإله الحقيقيّ» وأنّه مرسَل منه (١٧: ٢)؛ وثالثها، أنّه مجّد الآب على الأرض
بين الناس بفعل «العمل» الذي أكمله بينهم (١٧: ٤)؛ ورابعها، أنّه أظهر اسم الآب للناس لينادوه به
ويحفظوا كلامه (١٧: ٦)؛ وخامسها، أنّ مَن أعطاهم الآب للابن محفوظون من الآب والابن معًا (١٧:
١١ و١٢)؛ وسادسها، أن يكون يسوع ممجّدًا في مَن حفظهم (١٧: ١٠). هذه كلّها مجتمعة تشكّل الميزة
الثانية لفرح الابن بالآب وبنا، فقد انخرط يسوع في مشروع أن تصير هذه العطايا خاصّتنا إلى الأبد!
مقابل هذه العطايا، ماذا يعطي الابن للآب؟ يعطيه كلّ شيء، يعطيه ذاته. فهو يقول إنّه أتى منه فهو
مرسَل منه؛ وأظهر أباه للناس ومجّده بينهم وعلّمهم كلّ ما طلبه الآب إليه؛ وعمل كلّ ما أراده الآب
حتّى الموت على الصليب ونسب إليه كلّ شيء عمله؛ وأعطى الآبَ كلّ ما ومَن أعطاه إيّاه. هذه كلّها
مجتمعة تشكّل الميزة الثالثة لفرح الابن لأنّه أعطى ذاته حبًّا بمَن أرسله وبمَن أُرسل إليهم!
ومقابل هذه العطايا، ماذا نعطي للابن؟ أوّلًا، الأمانة ليسوع، فقد جاهد يسوع ليحفظنا في العالم كخاصّة
للآب؛ ثانيًا، التمثّل بيسوع، فقد أعطانا بنفسه قدوة لكي نعيش إيماننا في العالم بحيث يتمجّد الآب
بشهادتنا له؛ ثالثًا، الشكر لله على عطيّته لنا، فعطيّة الآب لنا هي يسوع نفسه، الذي يسأل الآب من أجلنا
ويحفظنا في هذا العالم، ويعطينا أن نكون واحدًا كما هو والآب واحد (١٧: ١١). هذه كلّها مجتمعة
تشكّل الميزة الرابعة لفرح الابن لأنّه يرى فينا إخوة له وأبناء حقيقيّين للآب، وهو ضنين علينا وحريص
على ألّا نفقد هذه العطايا!
ولكن، بالإضافة إلى ميزات الفرح الأربع السابقة، هناك فرح خاصّ بيسوع. فهو، من جهة، فَرِح بعودته
إلى الآب وقد أنجز العمل الذي أوكله إيّاه الآب، ومن جهة أخرى، فَرِح من أجلنا لأنّنا أهل لنشاركه
فرحه عندما نعود إلى الآب بالتوبة. هذا ما عبّر عنه في صلاته إلى الآب: «أمّا الآن فإنّي آتي إليك.
وأتكلّم بهذا في العالم ليكون لهم فرحي كاملًا فيهم» (١٧: ١٣). وهذا الفرح كامل فينا بفعل ما يحمل
إلينا من حقيقة ومعنى بشأن علاقة الله بالإنسان، أو بالحريّ بفعل معرفتنا الوجه الذي كشفته لنا: يسوع!
هكذا اكتملت أمامنا أوجه التدبير الإلهيّ من أجلنا. واكتملت معها أوجه الفرح الإلهيّ كما ختمها يسوع
في صلاته. استبان لنا يسوع أنّه «العطيّة» بامتياز، جسد «عبور» الآب إلينا و«عبورنا» إلى الآب،
وختم العطايا وختامها كلّها. حقًّا، «النعمة والحقّ» بيسوع حصلا (يوحنّا ١: ١٧)! هوذا أمامنا نور
القيامة لعالمنا. هل تستطيع آنية خزفيّة أن تشارك في هذه الصلاة وهذا التدبير وهذا الفرح مع إخوتها
في الإيمان؟ أو أن تحمل حقيقته إلى أترابها في الإنسانيّة؟ أو أن تشهد له في العالم؟ أَليس هذا ما يعبّر
عنه دستور الإيمان الذي وضعه آباء المجمع المسكونيّ الأوّل؟ فشكرًا للآب على عطيّته، وللابن لأنّه
أعطانا، ولكلّ مَن وفّر لنا أن نقدّر هذه العطيّة حقّ قدرها في التربية والتنشئة والمساعدة والمعيّة
والصبر والصلاة والأسرار الكنسيّة. إنّها عطايا ثمينة في حياة الأسرة والرعيّة والكنيسة ورُبط الصداقة
والخدمة، تفعّلها فينا لننمو فيها. هلّا ثابرنا وشكرنا وفرحنا رغم كلّ شيء؟
سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)
الرسالة: أعمال الرسل ٢٠: ١٦-١٨ و٢٨-٣٦
في تلك الأيّام ارتأى بولس أن يتجاوز أفسس في البحر لئلّا يَعرُض له أن يُبطئ في آسية، لأنّه كان
يعجّل حتّى يكون في أورشليم يوم العنصرة إن أمكنه. فمن ميليتُس بعث إلى أَفسس فاستدعى قُسوس
الكنيسة، فلمّا وصلوا إليه قال لهم: احذَروا لأنفسكم ولجميع الرعيّة التي أَقامكم الروح القدس فيها أساقفة
لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه. فإنّي أَعْلم هذا أنّه سيدخل بينكم بعد ذهابي ذئاب خاطفة لا تُشفِق
على الرعيّة، ومنكم أنفسكم سيقوم رجال يتكلّمون بأمور ملتوية ليجتذبوا التلاميذ وراءهم. لذلك اسهروا
متذكّرين أَنّي مدّة ثلاث سنين لم أَكْفُفْ ليلًا ونهارًا عن أن أَنصح كلّ واحد بدموع. والآن أَستودعكم يا
إخوتي اللهَ وكلمةَ نعمته القادرة على أن تبنيكم وتمنحكم ميراثًا مع جميع القدّيسين. إنّي لم أَشتهِ فضّةَ أحدٍ
أو ذهبه أو لباسه. وأنتم تعلمون أنّ حاجاتي وحاجات الذين معي خدمَتْها هاتان اليَدان. في كلّ شيء بيّنتُ
لكم أنّه هكذا ينبغي أن نتعب لنساعد الضعفاء وأن نتذكّر كلام الربّ يسوع. فإنّه قال «إنّ العطاء هو
مغبوط أكثر من الأخذ». ولمّا قال هذا جثا على ركبتيه مع جميعهم وصلّى.
الإنجيل: يوحنّا ١٧: ١-١٣
في ذلك الزمان رفع يسوع عينيه إلى السماء وقال: يا أبتِ قد أتت الساعة، مجِّدِ ابنَك ليُمجّدَك ابنُك أيضًا،
كما أَعطيتَه سلطانًا على كلّ بشر ليُعطي كلّ من أعطيتَه له حياة أبديّة. وهذه هي الحياة الأبديّة أنْ
يعرفوك أنت الإله الحقيقيّ وحدك والذي أرسلتَه يسوع المسيح. أنا قد مجّدتك على الأرض، قد أَتممتُ
العمل الذي أَعطيتني لأعمله. والآن مجِّدْني أنت يا أبتِ عندك بالمجد الذي كان لي عندك من قبل كون
العالم. قد أَعلنتُ اسمَك للناس الذين أَعطيتَهم لي من العالم. هم كانوا لك وأنت أَعطيتهم لي وقد حفظوا
كلامك. والآن قد علموا أنّ كلّ ما أعطيتَه لي هو منك، لأنّ الكلام الذي أَعطيتَه لي أَعطيتُه لهم، وهم
قبلوا وعلِموا حقًّا أنّي منك خرجتُ وآمنوا بأنّك أَرسلتني. أنا من أجلهم أسأل، لا أسأل من أجل العالم بل
من أجل الذين أعطيتَهم لي لأنّهم لك. كلّ شيء لي هو لك وكلّ شيء لك هو لي وأنا قد مُجّدت فيهم.
ولستُ أنا بعد في العالم، وهؤلاء هم في العالم، وأنا آتي اليك. أيّها الآب القدّوس احفظهم باسمك الذين
أَعطيتهم لي ليكونوا واحدًا كما نحن. حين كنتُ معهم في العالم كنتُ أَحفظهم باسمك. إنّ الذين أَعطيتَهم
لي قد حفظتُهم ولم يَهلك منهم أحد إلّا ابن الهلاك ليتمّ الكتاب. أمّا الآن فإنّي آتي إليك. وأنا أتكلّم بهذا في
العالم ليكون فرحي كاملًا فيهم.
كلمة الراعي
عطيّة الآب وجسد العبور إليه