...

كلمة الراعي خريطة طريق تلميذ الإنجيل

 

 

لا يعطّل تلميذَ الإنجيل نجاحٌ ولا فشلٌ من جرّاء سعيه أن يشهد للربّ. فهو لا يزهو إن حقّق نجاحًا، ولا هو يُحبط إن أصاب فشلًا. فمقياس النجاح والفشل في العمل ليس إنجاز العمل بحدّ ذاته أو عدم إنجازه، بل مقدار التصاقه هو بيسوع بينما ينجزه بروح الربّ وبحسب مشيئته.

فإذا ما أصاب نجاحًا في خدمة أو مسؤوليّة، تذكّر قول الربّ: «إنّنا عبيد بطّالون. لأنّنا إنّما عمِلْنا ما كان يجب علينا» (لوقا ١٧: ١٠). وإذا ما أتاه فكر أن يتفاخر على إخوته أو يتعظّم في نفسه بحُسن خدمته أو صواب معرفته وعمق تقواه، استذكر قول الربّ: «مَن أراد أن يكون فيكم عظيمًا فليكنْ لكم خادمًا، ومَن أراد أن يكون فيكم أوّلَ فليكنْ لكم عبدًا» (متّى ٢٠: ٢٧).

وإذا ما حصد خيبة وانقضّ عليه حزن أو إحباط، يتشجّع بقول الربّ: «في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا: أنا قد غلبتُ العالم» (يوحنّا ١٦: ٣٣). أمّا إذا ما سيطر عليه تعب أو كسل، فيحفّز نفسه ويزكّي فيها المروءة وروح التضحية المجّانيّة كما يوصي الربّ: «مَن سخّرك ميلًا واحدًا فاذهبْ معه اثنَين» (متّى ٥: ٤١).

وإذا ما استهواه أمر يؤذيه ويضرّه، فليجاهدْ لكي يحوّل الطاقة السلبيّة إلى إيجابيّة، من شهوة أنانيّة إلى محبّة باذلة، ومن عمل شرّ إلى عمل خير، عملًا بقول الربّ: «إنّ كلّ مَن ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه. فإن كانت عينك اليمنى تُعثرك فاقلعْها وأَلقِها عنك، لأنّه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدُك كلّه في جهنّم. وإن كانت يدك اليمنى تُعثرك فاقطعْها وأَلقِها عنك لأنّه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كلّه في جهنّم» (متّى ٥: ٢٨-٣٠).

وإذا ما سيطرت عليه في الكنيسة عصبيّة دينيّة أو عائليّة أو حزبيّة أو سواها من أنواع التحزّبات المؤسّساتيّة، فليُزكِّ في حياته وعلاقاته رابط الأخوّة بالمسيح على سواها، واضعًا نصب عينَيه قول الربّ: «هذه هي وصيّتي أن تُحبّوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم» (يوحنّا ١٥: ١٢). أمّا إذا كانت العصبيّة تطبع جماعة بأسرها، فيساعدهم أن يتأمّلوا في معاناة الربّ التي عبّر عنها بحسرة ويرتدعوا من عواقبها: «يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسَلين إليها، كم مرّة أردتُ أن أجمع أولادكِ كما تَجمَع الدجاجة فراخها تحت جناحَيها ولم تريدوا» (متّى ٢٣: ٣٧).

وإذا ما تكاسل في مساعدة سائل، استنار بقول الربّ: «مَن سألك فأَعطِه، ومَن أراد أن يقترض منك فلا تردّه» (متّى ٥: ٤٢). أمّا إذا تعرّض لإساءة أو تحقير أو ازدراء، فلا تغلبنَّ فيه مشاعر الحقد والضغينة والثأر، بل فليسِرْ بهَدْي قول الربّ: «اغفروا إن كان لكم على أحد شيء، لكي يغفر لكم أيضًا أبوكم الذي في السماوات زلّاتكم» (مرقص ١١: ٢٥).

ما سبق قوله لا يعدو كونه باقةً من جملة إضاءات على واقع حياتنا اليوميّة يسلّطه ضوء الإنجيل عليها لتصير حياتنا قائمة في بهاء الربّ. فبها نسلّط الضوء على معنى إنجيل الأحد الذي يلي الاحتفال بعيد رفع الصليب.

أن يستحي تلميذ يسوع من الربّ نفسه ومن كلامه (مرقص ٨: ٣٨)، يعني أن يتصرّف كأنّه ليس مسيحيًّا، فلا يهتمّ البتّة بفحص سلوكه اليوميّ وخياراته على ضوء وصايا الربّ، بل يرتاح بأن يساوم على الربّ وعلى كلامه، فيستبدل عمليًّا، من حيث يدري أو لا يدري، مشيئة الربّ بمشيئته، ووصيّته بوصيّة مِن صُنع الناس. شخص كهذا يرتاح إلى اعتقاده بأنّه ناجح لأنّه يربح على الجهتَين: فهو يؤمن (عمليًّا، هو يؤمن بنفسه وليس بالله الذي استبدله)، ويسهّل أموره (أي «يربح العالم») بآن! هذا هو الغرور من جهة اليسار.

الموضوع ليس النجاح، بل الأمانة ليسوع. والأمانة تعني أن يبذل المرء جهدًا كبيرًا بحيث لا ينكر ولا يخون مَن تعهّد أن يكون معه، بل أن يكون أمينًا له بالقول والفعل، عاملًا بروحه. هذا ما يعنيه قول يسوع: «مَن أراد أن يأتي ورائي فلينكرْ نفسه ويحملْ صليبه ويتبعْني» (مرقص ٨: ٣٤). وقد يقودنا التباهي بالأمانة إلى استبدال يسوع نفسه بغرورنا في أمانتنا له، فنقع في المحظور الذي يشير إليه يسوع: أن تربح العالم وتخسر نفسك، بينما تظنّ أنّك للمسيح. هذا هو الغرور من جهة اليمين. لربّما تتفاجأ بهذا الاحتمال، لكن يسوع أصرّ على أن يسائلنا: «لأنّه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟» (مرقص ٨: ٣٦). وأصرّ أيضًا أن يبرِز أنّ كلّ مساعينا إنّما هي مرتبطة بيسوع وبإنجيله معًا، في لحمة واحدة بين العلاقة الشخصيّة به والسلوك اليوميّ بناء عليها: «مَن يُهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلّصها» (مرقص ٨: ٣٥).

هكذا أرانا يسوع كيفيّة أن ننجو من تجارب ثلاث: الطريق الذي يخلّص الإنسان به نفسه؛ ميزان الربح والخسارة في حياة التلمذة؛ والطريقة التي يفتدي بها نفسه. الالتصاق بيسوع، والأمانة له وخدمته بحسب وصاياه هو الدواء الناجع لهذه التجارب. نشكر الله أنّ هناك بيننا مَن تجلّوا في تلمذتهم ليسوع وصحّ فيهم قوله: «إن من القيام ههنا قومًا لا يذوقون الموت حتّى يروا ملكوت الله قد أتى بقوّة» (مرقص ٩: ١). هؤلاء جعلونا نفهم أكثر طبيعة التجارب الثلاث وكيفيّة مواجهتها، فرادى وجماعة، بروح الإنجيل. هلّا انتبهنا على بعضنا في المسير حتّى لا نَعثُر ولا نُعثِر أحدًا في فهم قصد الربّ والتلمذة له، إذ «الويل للذي به تأتي العثرات» (متّى ١٨: ٧)؟

+ سلوان
مطران جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: غلاطية ٢: ١٦-٢٠

يا إخوة، إذ نعلم أن الإنسان لا يُبرَّر بأعمال الناموس بل إنما بالإيمان بيسوع المسيح، آمنَّا نحن أيضا بيسوع المسيح لكي نُبرَّر بالإيمان بالمسيح لا بأعمال الناموس إذ لا يُبرَّر بأعمال الناموس أحد من ذوي الجسد. فإن كنّا ونحن طالبون التبرير بالمسيح وُجدنا نحن أيضًا خطأة، أفَيكون المسيح إذًا خادمًا للخطيئة؟ حاشى. فإني إنْ عُدتُ أَبني ما قد هدمتُ أَجعلُ نفسي متعدّيًا، لأني بالناموس مُتُّ للناموس لكي أَحيا لله. مع المسيح صُلبتُ فأَحيا، لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ. وما لي من الحياة في الجسد أنا أحياه في إيمانِ ابنِ اللهِ الذي أَحبّني وبذل نفسه عني.

 

الإنجيل: مرقس ٨: ٣٤-٣٨، ٩: ١

قال الرب: مَن أراد أن يتبعني فليكفُرْ بنفسه ويَحمل صليبه ويتبعني، لأنّ من أراد أن يُخلّص نفسه يُهلكها، ومن أَهلَكَ نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يُخلّصها. فإنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه، أَم ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟ لأن من يستحيي بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ يستحيي به ابنُ البشر متى أتى في مجد أبيه مع الملائكة القديسين. وقال لهم: الحق أقول لكم إنّ قوما من القائمين ههنا لا يذوقون الموت حتى يرَوا ملكوت الله قد أتى بقوّة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

خريطة طريق تلميذ الإنجيل