...

كلمة الراعي المطبخ التعاونيّ

 

 

فكرة المطبخ التعاونيّ تلامس البشارة المسيحيّة بما وصل إلينا في حادثة تكثير الخبز والسمك. فامتناع الربّ عن صرف الجموع وطلبه من تلاميذه بقوله: «لا حاجة لهم أن يمضوا. أعطوهم أنتم ليأكلوا»، جعل تلاميذه يفطنون إلى ما لديهم: «ليس عندنا ههنا ألّا خمسة أرغفة وسمكتان» (متّى ١٤: ١٦ و١٧). هكذا انطلق عمل هذا «المطبخ القائم في الهواء الطلق»، وخدم التلاميذُ الجموعَ التي تبعت يسوع على الشكل التالي: «أمر (يسوعُ) الجموعَ بأن يتّكئوا على العشب ثمّ أخذ الأرغفة الخمسة والسمكتَين ورفع نظره نحو السماء وبارك وكسر وأعطى الأرغفة للتلاميذ والتلاميذ للجموع» (متّى ١٤: ١٩).

خبرة المطبخ التعاونيّ متوفّرة في كنيستنا من حيث إعداد مائدة محبّة في الرعيّة في مناسبات مختلفة، أو بشكل منتظم للمسنّين أو غيرهم، بالإضافة إلى خبرة المخيّمات على أنواعها.

تهدف فكرة «المطبخ التعاونيّ» إلى تحضير وجبات غذائيّة بوتيرة محدّدة تعمل على إعدادها مجموعة من المتطوّعين من أبناء الرعيّة، بغية توفير وجبات للعائلات المحتاجة بشكل مجّانيّ. يمكن التوسّع في الفكرة بحيث تشمل إعداد وجبات غير مجّانيّة، لرفد المشروع الأساس بمدخول مادّيّ يعينه على الاستمرار. هذا الأمر قد يخدم عائلات تقتصد في مصروفها وترغب في الاحتفاظ بنوعيّة غذاء صحّيّة ومناسبة، وذلك بأنّ «المطبخ التعاونيّ» يشتري الأغراض بالجملة، ما يعني انخفاضًا في كلفة الوجبة عمّا سيكلّف تحضيرها في المنزل.

هناك ثلاث إمكانيّات لتحقيق الفكرة. الأولى هي استخدام المطبخ المنزليّ، حيث يمكن أن يقوم عدد من السيّدات بإعداد وجبة أو أكثر في منزلها، وتودع هذه الوجبات في برّاد مركزيّ (على سبيل المثال في الرعيّة)، ليتمّ توزيعها على المحتاجين وفق الوتيرة التي يستطيع هذا الفريق الالتزام بها. والثانية هي استخدام مطبخ الرعيّة، بحال توفّرت بعض التجهيزات فيه. والثالثة هي استخدام مطبخ أحد المطاعم التي لا تعمل وقت الظهر مع إمكانيّة الاتّفاق مع إدارة هذا المطعم، والشيف المسؤول عن مطبخها للاستفادة من خبرة هذا الأخير في إعداد الوجبات لأعداد كبيرة.

يعتمد هذا المشروع على مجموعة من المتبرّعين الذين يرغبون في رفد هذا المشروع بالموادّ الضروريّة لتحقيقه، بحسب لائحة الطعام التي تُعدّها لجنة لهذه الغاية. ويحتاج إلى متطوّعين ومتطوّعات من أبناء الرعيّة (والرعايا المجاورة) للقيام بعمليّة شراء الأغذية المطلوبة، وحسن تخزينها في مكان، وما يستتبعها من عمليّة إعداد للطعام وتوضيبه وتخزينه، أو توزيعه مباشرة عند الانتهاء من إعداده. كما يمكن أن يساعد في جزء من المشروع عدد من الذين يستفيدون منه، أي العائلات المحتاجة نفسها. فهذا يجعل من الجميع عائلة كبيرة متّحدة ومتعاضدة، ما يدعم الروح المعنويّة والأخويّة للجميع.

يتحقّق المشروع عبر وضع أهداف قابلة للتحقيق، عبر مجموعة عمل صغيرة لإعداد عدد محدود من الوجبات لمرّة في الأسبوع. هكذا يختبر فريق المتطوّعين نفسه، ويستكشف الأرضيّة التي يتعاطى معها، كما يعمل على تقدير الموارد المتوفّرة لديه. التقويم الدوريّ لهذا العمل على مستوى ضيّق يسمح برسم خطّة مبنيّة على الخبرة في الرعيّة-المحلّة المعيّنة، وفهم الحاجات أكثر والتعاطي معها على هذا الأساس. بحال تكوّنت خلايا عمل مختلفة تنتمي إلى رعايا محتلفة، ساعتها يمكن الاستفادة من الخبرات التي اكتسبتها فرق المتطوّعين هنا وثمّة، بحيث يتعلّم المرء من الأخطاء، أخطائه وأخطاء سواه، ليقوم بتحسين الخدمة التي يقدّمها. لا شكّ في أنّ مراجعة الخبرات القائمة على الأرض، في هذه الأبرشيّة وغيرها، يساعد كثيرًا على تكوين صورة واضحة عند التفكير الجدّيّ في إطلاق عمل مماثل في إحدى الرعايا.

ربّ قائل إنّ المشروع متكامل ويلبّي الحاجة على المستوى الرعائيّ وعلى المستوى الاجتماعيّ. أولى منافع هذا المشروع روحيّة، لما يتضمّن من محبّة وتعاضد يتمّ التعبير عنهما بشكل عمليّ، الواحد تجاه الآخر. حريّ بمشروع كهذا أن يحصّن العاملين فيه والمستفيدين منه بحيث يكونون نواة مُحبّة يرفد فيها الواحد الآخر بالنور والصبر، ويلمسون فيه الأخوّة والإنسانيّة ما يحصّنهم روحيًّا تجاه الأزمات والضيقات، ويصيرون مصدر فرح وإشعاع روحيّ في الرعيّة. هذا يخلق مناخًا مؤاتيًا يعزّز الربُط الرعويّة بشكل قويّ.

من جهة أخرى، يعالج المشروعُ الإحباط المتأتّي من انحسار (مرحليّ) على صعيد تأمين الحصص الغذائيّة، ويُتيح للمؤمنين إمكانيّة المساهمة في مشروع يمكنهم الإفادة عبره والاستفادة منه (بحال جرى التوسّع في الفكرة الرئيسة له). وحريّ به أيضًا أن يرفد الرعيّة بعناصر جديدة تحتاج إليها لتجديد ذاتها والخدمة التي تقوم بها. وإذا ما كُتب للمشروع أن ينمو في جوّ روحيّ مناسب، يصير بلسمًا للمشاركين فيه، ومنارة محبّة في الرعيّة نفسها. هذا يعالج عددًا من الآفات الروحيّة والنفسيّة المنتشرة بفعل الأوضاع الصعبة التي نعيشها.

في هذا الجوّ الروحيّ والكنسيّ والرعويّ، تتمتّن أواصر حيّة، مفيدة وبنّاءة، تخدم الجماعة، تتغذّى منها وتغذّي غيرها في آن معًا. هذه صورة عن كنيسة حيّة، خادمة ومتضامنة. ألعلّه يمكننا القول: هي الخميرة التي يمكنها، إذا وُضعت في العجين، أن تخمّره كلّه (متّى ١٣: ٣٣)؟

سلوان
مطران جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: ١كورنثوس ١: ١٠-١٧

يا إخوة أَطلب إليكم باسم ربّنا يسوع المسيح أن تقولوا جميعكم قولاً واحدًا وأن لا يكون بينكم شقاقاتٌ بل تكونوا مكتملين بفكرٍ واحدٍ ورأيٍ واحد. فقد أَخبرني عنكم يا إخوتي أهل خْلُوي أنّ بينكم خصومات، أَعني أنّ كلّ واحد منكم يقول أنا لبولس أو أنا لأبلّوس أو أنا لصفا أو أنا للمسيح. ألعلّ المسيحَ قد تجزّأ. ألعلّ بولس صُلِب لأجلكم، أو باسم بولس اعتمدتم. أشكر الله أنّي لم أُعمّد منكم أحدًا سوى كرسبُس وغايوس لئلّا يقول أحدٌ إنّي عمّدتُ باسمي؛ وعمّدتُ أيضًا أهل بيت إستفاناس؛ وما عدا ذلك فلا أَعلم هل عمّدتُ أحدًا غيرهم لأنّ المسيح لم يُرسلني لأُعمّد بل لأُبشّر لا بحكمة كلامٍ لئلّا يُبطَل صليب المسيح.

 

الإنجيل: متّى ١٤: ١٤-٢٢

في ذلك الزمان أبصر يسوع جمعًا كثيرًا فتحنّن عليهم وأبرأ مرضاهم. ولمّا كان المساء، دنا إليه تلاميذه وقالوا: إنّ المكان قَفرٌ، والساعة قد فاتت، فاصرف الجموع ليذهبوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعامًا. فقال لهم يسوع: لا حاجة لهم إلى الذهاب، أَعطوهم أنتم ليأكلوا. فقالوا له: ما عندنا ههنا إلّا خمسةُ أرغفة وسمكتان. فقال لهم: هلمّ بها إليّ إلى ههنا. وأمر بجلوس الجموع على العشب. ثمّ أخذ الخمسة الأرغفة والسمكتين ونظر إلى السماء وبارك وكسر، وأَعطى الأرغفة لتلاميذه، والتلاميذُ للجموع. فأكلوا جميعهم وشبعوا ورفعوا ما فَضُلَ من الكِسَر اثنتي عشرة قُفّةً مملوءةً. وكان الآكلون خمسة آلاف رجلٍ سوى النساء والصبيان. وللوقت اضطرّ يسوعُ تلاميذه إلى أن يدخلوا السفينة ويسبقوه إلى العَبْرِ حتّى يصرف الجموع.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

المطبخ التعاونيّ