نحن محطّ عناية الربّ، مهما طال زمننا لنعرفه حقّ المعرفة، أو نعي حضوره الحيّ والمتواري، أو
نكتشف محبّته التي لا حدود لها، أو نختبر قدرته على التعاطي مع تفاصيل حياتنا بما يحقّقنا وينمّينا
ويشفينا، أو أن نؤمن به إيمانًا ثابتًا. هو «خفيف الظلّ»، كما نقول بالعامّيّة، إذ لا يفرض نفسه علينا، بل
يسألنا كلّ يوم: «أتريد أن تبرأ؟» (يوحنّا ٥: ٦). هذه هي الحقيقة التي وصلت إلينا في إنجيل أحد
المخلّع.
إنّ طرح هذا السؤال علينا يأخذ صدى مختلفًا بعد احتفالنا بالقيامة وعلى ضوئها. هذا بأنّ القيامة تلقي
نورًا جديدًا ومختلفًا على مقاربتنا لحياتنا وشجونها، لكوننا نعيش هذه الفترة الطقسيّة الفصحيّة التي
تدعونا إلى أن نتجدّد على أساسها. من أهمّ التحدّيات التي تواجهنا، في هذا الصدد، عامل الزمن الذي
يمرّ علينا فنعتاد على أنفسنا كما هي، في اعتلالها وخطاياها وضعفها، كما نعتاد على واقعنا ومحيطنا،
بحيث لا يخالجنا رجاء حقيقيّ حول تغيير ممكن بشأنه. فالزمن يمكنه أن يعطّل لدينا الرغبة على تجديد
ذواتنا وواقعنا، فنستقيل من دورنا أو نشير بأصبع المسؤوليّة في اتّجاه سوانا. في هذا يصحّ ما يحصل
عندما نهمل صيانة قطعة حديديّة فتتعرّض للصدأ فيتآكلها ولا تعود تصلح لشيء.
لا شكّ في أنّ صورة المخلّع المطروح عند البركة منذ ثمانية وثلاثين عامًا، من دون أن يتمكّن من
الوصول إلى الماء عند تحريكه، هو امتحان كبير ومستديم لقدرته على الاحتمال والصبر والمثابرة، من
دون أن تتأذّى بذلك مجامع نفسه. لربّما سؤال المسيح الموجّه إليه حول رغبته في الشفاء كانت المقاربة
الروحيّة الأمثل بشأن إبقاء شعلة هذه الرغبة مضيئة فيه. ثمّ طلبه منه بأن «قم، احملْ سريرك وامشِ»
(يوحنّا ٥: ٨) هو أفضل ما يمكن أن يقدّمه يسوع حتّى يقوم المخلّع بتجميع طاقته الجسديّة والنفسيّة،
ويوظّفها من الآن فصاعدًا في الاتّجاه الصحيح الذي سيكشفه له يسوع: «ها أنتَ قد برئتَ، فلا تخطئ
أيضًا، لئلّا يكون لك أشرّ» (يوحنّا ٥: ١٤). هذا ما سمعه المخلّع بعد أن فتّش عمّن شفاه ووجده في
الهيكل. إنّه كلام ينقله من حيّز الشفاء الجسديّ إلى حيّز الشفاء الروحيّ، ويضعه في مسار علاقة روحيّة
يقظة أبدًا أمام محبّة المعطي وجلال العطيّة.
هذا الاهتمام المتدرّج والمتصاعد من يسوع بالمخلّع بلغ ذروته في وصيّته له: «لا تعد تخطئ بعد»، لأنّ
الحياة الجديدة تحتاج إلى يقظة وانتباه وصيانة دائمة. فخطر الجهل والنسيان والإهمال قائم دومًا،
وساعتها تصير المشكلة أعظم وأفدح: «لئلّا يصيبك أشرّ». فعناية يسوع بنا عناية شاملة وكاملة، تبغي
تجديد الإنسان كلّه.
وهذا الاهتمام يفعّل لدينا إحساسًا آخر فينا بهذا الواقع، واقع يشبه المشهد الذي نراه في بركة بيت حسدا،
حيث «كان مضّجعًا جمهور كثير من مرضى وعمي وعرج وعسم، يتوقّعون تحريك الماء» (يوحنّا ٥:
٣). هل لدينا القناعة والإيمان بأنّ يسوع يمكن أن يكون مَن يغيّر واقعنا المؤلم؟ هل اهتمامنا بواقعنا
تحوّل من حيّز المراقبة والفحص إلى حيّز العناية المحبّة عبر مبادرة نحو أترابنا وطرح السؤال الوجيه
عينه عليهم: «أتريد أن تبرأ»؟ هل أتّخذُ حدث شفاء نفسي المخلّعة منطلقًا لأسير في حمل البشرى إلى
أترابي، بثقة وتواضع وبساطة، كما حين مضى المخلّع و«أخبر اليهود أنّ يسوع هو الذي أبرأه» (يوحنّا
٥: ١٥)؟
مطالعة هذا الحدث على ضوء القيامة يعني الكنيسة كجماعة رسوليّة على مثال الجماعة الأولى التي
تعهّدت، من بعد قيامة المسيح، أن تحمل لواء البشرى التي حملها يسوع وأن تتعهّد الإنسان على مرّ
العصور لتقيمه من الصدأ الذي لفّ نفسه فيستعيد عافيته التي يقدّمها له ربّه، إن شاء أن يبرأ بواسطته.
هذا يعني أيضًا أن نقوم نحن، مرّة تلو الأخرى، من أشكال برودتنا الداخليّة وتقاعسنا وانزوائنا وفقدان
الرجاء فينا، وننهض إلى رحاب حضور المسيح الحيّ والمحيي الذي يقيم نفوسنا المخلّعة، ويأمرنا بأن
نحمل سريرنا ونلاقي واقعنا من جديد بنوره. وهذا يعني أخيرًا أن نبادر نحو العالم، على مثال يسوع
المبادر نحو المخلّع، بما يعكس الحياة الجديدة التي فينا. ألعلّ هكذا تفعل قيامة المسيح في العالم؟
سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)
الرسالة: أعمال الرسل ٩: ٣٢-٤٢
في تلك الأيّام فيما كان بطرس يطوف في جميع الأماكن، نزل أيضًا إلى القدّيسين الساكنين في لدّة، فوجد
هناك إنسانًا اسمه أينياس مضّجعًا على سرير منذ ثماني سنين وهو مخلَّع. فقال له بطرس: يا أينياس
يشفيك يسوع المسيح، قم وافترش لنفسك، فقام للوقت. ورآه جميع الساكنين في لدّة وسارون فرجعوا إلى
الربّ. وكانت في يافا تلميذة اسمها طابيتا الذي تفسيره ظبية، وكانت هذه ممتلئة أعمالًا صالحة وصدقات
كانت تعملها. فحدث في تلك الأيّام أنّها مرضت وماتت، فغسلوها ووضعوها في العلّيّة. وإذ كانت لدّة
بقرب يافا، وسمع التلاميذ أنّ بطرس فيها، أرسلوا إليه رجلين يسألانه ألّا يُبطئ عن القدوم إليهم. فقام
بطرس وأتى معهما. فلمّا وصل صعدوا به إلى العلّيّة، ووقف لديه جميع الأرامل يبكين ويُرينَه أقمصة
وثيابًا كانت تصنعها ظبية معهنّ. فأخرج بطرسُ الجميع خارجًا وجثا على ركبتيه وصلّى. ثمّ التفت إلى
الجسد وقال: يا طابيتا قومي. ففتحت عينيها، ولمّا أَبصرتْ بطرس جلست. فناولها يده وأنهضها. ثمّ دعا
القدّيسين والأرامل وأقامها لديهم حيّة. فشاع هذا الخبر في يافا كلّها، فآمن كثيرون بالربّ.
الإنجيل: يوحنّا ٥: ١-١٥
في ذلك الزمان صعد يسوع إلى أورشليم. وإنّ في أورشليم عند باب الغنم بركة تسمّى بالعبرانيّة بيت
حَسْدا لها خمسة أروقة، كان مضّجعًا فيها جمهور كثير من المرضى من عميان وعُرج ويابسي
الأعضاء ينتظرون تحريك الماء، لأنّ ملاكًا كان ينزل أحيانًا في البركة ويُحرّك الماء، والذي ينزل أوّلًا
من بعد تحريك الماء كان يُبرأ من أيّ مرض اعتراه. وكان هناك إنسان به مرض منذ ثمانٍ وثلاثين
سنة. هذا إذ رآه يسوع ملقى، وعلم أنّ له زمانًا كثيرًا، قال له: أتريد أن تبرأ؟ فأجابه المريض: يا سيّد
ليس لي إنسان متى حُرّك الماء يُلقيني في البركة، بل بينما أكون آتيًا ينزل قبلي آخر. فقال له يسوع: قم
احمل سريرك وامش. فللوقت برئ الرجل وحمل سريره ومشى. وكان في ذلك اليوم سبت. فقال اليهود
للذي شُفي: إنّه سبت فلا يحلّ لك أن تحمل السرير. فأجابهم: إنّ الذي أبرأني هو قال لي: احملْ سريرك
وامشِ. فسألوه: من هو الإنسان الذي قال لك احملْ سريرك وامشِ؟ أمّا الذي شُفي فلم يكن يعلم من هو،
لأنّ يسوع اعتزل إذ كان في الموضع جمع. وبعد ذلك وجده يسوع في الهيكل فقال له: ها قد عوفِيْتَ فلا
تعُدْ تخطئ لئلّا يُصيبك أشرّ. فذهب ذلك الإنسان وأخبر اليهود بأنّ يسوع هو الذي أبرأه