...

كلمة الراعي مسيرتنا من الجنب الذي نطعنه إلى الجنب الذي نرتوي منه

 

 

طُعن جنب يسوع مرّة على الصليب، لكنّها ليست المرّة الوحيدة التي يتلقّى فيها طعنة. فقصّته مع الإنسان، سواء في العهد القديم أم في العهد الجديد، هي تسطير لعطيّة الله الدائمة نحو الإنسان، والتي اتّخذت منحى جديدًا ونهائيًّا بالكلّيّة بتجسّد الابن الوحيد وآلامه وصلبه وقيامته.

في مثل الكرّامين القتلة، يعرض يسوع لتاريخ الخلاص في العهد القديم لجهة طريقة تفاعل الشعب العبرانيّ مع تدبير الله الخلاصيّ، وكيف انتهى به الأمر بأن يُقتل على أيديهم «خارج الكرم» (متّى ٢١: ٣٩). هذه مطالعة أولى للمثل. أمّا مطالعته اليوم في الكنيسة أمام جماعة المؤمنين، فيفحص فينا أمانتنا لهذا الابن وإخلاصنا في خدمتنا لتدبيره الخلاصيّ.

يبدأ المثل بوصف يسوع عناية الله بشعبه في العهد القديم، على شاكلة «إنسان ربّ بيت غرس كرمًا وأحاطه بسياج وحفر فيه معصرة وبنى برجًا وسلّمه إلى كرّامين وسافر» (متّى ٢١: ٣٣). في العهد الجديد، نجد عناية أعظم منها، حيث صورة الكرم جسّدتها الكنيسة في خدمتها الليتورجيّة عند تحضير الذبيحة الإلهيّة، بحمل الذبيحة الذي يقتطعه الكاهن من القربانة ويطعنه بالحربة، وتحيط به الأجزاء الموضوعة عن يمينه ويساره وفي أسفله، والتي تمثّل والدة الإله عن اليمين، والطغمات التسع عن اليسار (وهم الملائكة، الأنبياء، الرسل، معلّمو المسكونة، الشهداء، الأبرار، الأطبّاء العديمو الفضّة، جدَّا المسيح والقدّيسون الذين نعيّد لهم وسائر القدّيسين، والقدّيس كاتب خدمة القدّاس الإلهيّ)، وفي الأسفل أعضاء الكنيسة أحياء وراقدين. جنب المسيح المطعون نزف مرّة ماءً ودمًا، حينما أخذ الكرّامون الوارث خارج الكرم وقتلوه (متّى ٢١: ٣٩)، وهو ينزف على الدوام حياة وغفرانًا وخلاصًا وتقديسًا للمؤمنين به والمشتركين فيه.

صحيح أنّ المثل يصوّر لنا، بوضوح واختصار، درجة قبول الشعب العبرانيّ للتدبير الإلهيّ، أو بالحريّ رفضه، وذلك عبر العبيد الذين أرسلهم صاحب الكرم أوّلًا على دفعتَين فتعرّضوا للجلد والقتل والرجم على أيديهم (متّى ٢١: ٣٥ و٣٦)، ثمّ عبر ابنه الذي قتلوه ليرثوا الكرم منه (متّى ٢١: ٣٨ و٣٩)، ولكن هل يمسّنا اليوم، أم يطغى على تفسيره الإطار التاريخيّ للحادثة؟ ربّ قائل: نحن موجودون في حقل الربّ، وعاملون في تدبيره الخلاصيّ، ومساهمون في الكرازة الإنجيليّة، بعد أن أرسل إلينا الابن روحه القدّوس ليقودنا إلى كلّ ما علّمنا إيّاه هو (يوحنّا ١٤: ٢٦). إذًا المثل يعنينا في الصميم، مهما اختلفت درجات المسؤوليّة في الخدمة التي تقع على عاتقنا.

لا شكّ في أنّ العمل في حقل الربّ يتطلّب تضحية وانتباهًا وعناية وإخلاصًا وأمانة كبيرة جدًّا. للأسف، ليس الجميع يتمتّعون بهذه الصفات أو لديهم هذا الهاجس؛ أو على العكس، من الذين يخدمون مَن يظنّ أنّه مثال الإخلاص والأمانة. فإذا كان هذان المنحَيان موجودَين فينا وبيننا، ساعتها يأتي هذا المثل ليخاطبهما ليشذّب في الخدّام الأمانة الحقّ، ويصوّب لديهم حقيقة عيشهم الإيمان، والتصاقهم بالمسيح في خدمتهم، واتّباعهم وصاياه، وعملهم بحسب مشيئته.

حسنًا صوّر لنا المثل كيف أراد الكرّامون أن يستبدلوا بأنفسهم ابن صاحب الكرم ليصيروا الورثة الشرعيّين للكرم. ولكن هل هذا الخطر وارد بالنسبة إلى خدّام العهد الجديد؟ هل يستبدل هؤلاءُ الخدّام بأنفسهم يسوعَ بينما هم قائمون في خدمته ووكلاء على نعمته وخادمو أسراره ومعاونوه في الكرازة الإنجيليّة؟ تاريخ الكنيسة كفيل بأن يرفدنا بالأمثلة الكثيرة على هذا السؤال، ويظهر عدد المرّات التي توالينا فيها على طعن المسيح. ما يهمّنا في هذه العجالة ليس التوقّف عند بشاعتنا إذا ما أسأنا الأمانة، بل أن نتوقّف عند الغلبة التي يفصح عنها يسوع في الخلاصة التي يقدّمها لمحاوريه وسامعيه: «الحجر الذي رفضه البنّاؤون هو قد صار رأس الزاوية. من قِبَل الربّ كان هذا وهو عجيب في أعيننا» (متّى ٢١: ٤٢). نعم، خلاص الله تحقّق والكرازة به لن تتوقّف، وإن كانت شهادة بعض خدّام العهد الجديد تشبه تلك التي للكرّامين القتلة. والصحيح أيضًا، أنّ خطر انحراف الخدّام الأمناء وارد، لذا لا بدّ من الانتباه واليقظة في شهادتنا للربّ وخدمة كنيسته، لأنّنا مطالَبون بأن «نعطي الأثمار» التي ينتظرها صاحب الكرم «في أوقاتها»، وإلّا كنّا من الأردياء الذين يستحقّون أن «يهلكهم هلاكًا رديئًا» (متّى ٢١: ٤١).

هلّا بنينا إذًا بناءنا الروحيّ وشهادتنا على هذا «الحجر الذي صار رأس الزاوية»، بحيث تكون شهادتنا محمولة بتدبيره وخادمة له، وتلهمها أعمال الروح القدس المجيدة، في الكنيسة وفي العالم، والتي لا تخفى عن ناظرَينا (متّى ٢١: ٤٢)؟ إنّما الخدّام الأمناء هم «نور العالم» وباكورة عمل الروح القدس في كلّ جيل ومكان، يرتوون من الجنب المطعون ولا يطعنونه، بحيث يتمجّد الآب فيهم وفي أعين الجميع، كما أوصانا الربّ مرّة وإلى الأبد: «فليضئْ نوركم هكذا قدّام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجّدوا أباكم الذي في السماوات» (متّى ٥: ١٦).

+ سلوان
مطران جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: ١كورنثوس ١٦: ١٣-٢٤

يا إخوة اسهروا، اثبتوا على الإيمان، كونوا رجالًا، تشدّدوا. ولتكن أموركم كلّها بالمحبّة، وأطلب اليكم أيّها الإخوة بما أنّكم تعرفون بيت إستفاناس، أنّه باكورة أخائية وقد خصّصوا أنفسهم لخدمة القدّيسين، أن تخضعوا أنتم أيضًا لمثل هؤلاء ولكلّ من يُعاون ويتعب. إنّي فرح بحضور إستفاناس وفُرتوناتوس وأخائكوس لأنّ نقصانكم هؤلاء قد جبروه فأراحوا روحي وأرواحكم. فاعرفوا مثل هؤلاء. تُسلّم عليكم كنائس آسية. يُسلّم عليكم في الربّ كثيرًا أكيلا وبْرسكلة والكنيسة التي في بيتهما. يُسلّم عليكم جميع الإخوة. سلّموا بعضُكم على بعض بقبلةٍ مقدّسة. السلام بيدي أنا بولس. إن كان أحدٌ لا يحبّ ربّنا يسوع المسيح فليكن مفروزًا. ماران أَتا. نعمة ربّنا يسوع المسيح معكم. محبّتي مع جميعكم في المسيح يسوع، آمين.

 

الإنجيل: متّى ٢١: ٣٣-٤٢

قال الربّ هذا المثل: إنسان ربّ بيتٍ غرسَ كرمًا وحَوّطه بسياج وحفر فيه معصرة وبنى برجًا وسلّمه إلى عَمَلة وسافر. فلمّا قرب أوان الثمر أرسل عبيده إلى العَمَلة ليأخذوا ثمره. فأخذ العملة عبيده وجلدوا بعضًا وقتلوا بعضًا ورجموا بعضًا. فأَرسل عبيدًا آخرين أكثر من الأوّلين فصنعوا بهم كذلك. وفي الآخر أَرسل إليهم ابنه قائلًا: سيهابون ابني. فلمّا رأى العملةُ الابنَ قالوا في ما بينهم: هذا هو الوارث، هلمّ نقتله ونستولي على ميراثه. فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه. فمتى جاء ربّ الكرم، فماذا يفعل بأولئك العملة؟ فقالوا له إنّه يُهلك أولئك الأردياء أردأ هلاكٍ ويُسلّم الكرْم إلى عملةٍ آخرين يؤدّون له الثمر في أوانه. فقال لهم يسوع: أما قرأتم قطّ في الكتب أنّ الحجر الذي رذله البنّاؤون هو صار رأسًا للزاوية؟ مِن قِبل الربّ كان ذلك وهو عجـيب في أَعيُننا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

مسيرتنا من الجنب الذي نطعنه
إلى الجنب الذي نرتوي منه