...

كلمة الراعي العطاء الإلهي

ماذا أراد داود النبي بقوله: “كل إنسان كاذبٌ، بماذا أكافئ الرب عن كل ما أعطاني”؟ هل أراد ان الإنسان لا يستطيع ان يعطي الإنسان اذ ليس عنده شيء ومع ذلك يعطي إذا اخذ من الله ووزع فيكون الله هو المعطي وحده؟

هل يجب ان تلغي من ذهنك او من قلبك من أعطاك لتعترف ان الرب معطيك وحده، أَم لك أن ترى أن الإنسان فقير وأنه معطيك مما أَخذ من فوق. في احتسابي أن قمّة غناك أن ترى نفسك فقيرا الى كل إنسان حتى ترى نفسك فقيرا الى الله.

الله جعلَنا موزّعيه اي موزّعي نعمته لأننا جميعا فقراء، وإن لم نتملكه لا نستطيع عطاء. لقد أراد الله نفسه مترجما بالحب. جعل ذاته وسط التعاطي البشري لنعرفه. “الله لم يره أحدٌ قط. الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبّر”. هذا في مطلق التاريخ، ولكن هذا في حقيقة كل زمن نحن فيه. في عطاء نفسك تعطي الله، فما هي نفسك سوى فتات يُترجمه؟ إن أدركت أنت أنك لست بشيء يكون الله فيك فتعطيه. الفقير وحده يأخذ.

“بماذا أُكافئُ الرب عن كل ما أَعطاني”؟ صعوبـة السـؤال في هذا أنك لا تستطيـع أن تكافـئ الرب الا بما أعطاك، اي أن تردّ له نفسَهُ. عندما يقول اللاهوتيون عندنا ان الخلاص مشاركة الله وإرادتنا، طبعا لا يريدون أن الله وإرادتنا على مستوى واحد من الوجود او من الفعالية. هناك بينهما التقاء لا نعرف كيف يحصل لأنك إن أَحببتَ الله فهذا منه. انا لست أُنكر الإرادة البشرية اي لا أُلغي الإنسان بمعنى أني أُثبت وجهه امام وجه الله لأعترف له بذات، ولكني أؤكد بالقوّة نفسها انه آخذ هذه الذات بالنعمة. في الشدة لا تستطيع أن تقول إلا هذا: كل شيء نعمة. ربما لا يحس كل إنسان أنه في الجُبّ وأن يدًا يجب أن تنزل لانتشاله. ربما الخاطئون وحدهم يفهمون ما يقولون إذا قالوا ان كل شيء نعمة. لا يستطيع الخاطئ أن يقول انه قام لأنه قرر القيامة. يجب ان يقيمك آخر، وعندنا انه هو الله. في البكاء تقول هذا، وبلا بكاء لا تستطيع ان تكتب لاهوتًا. العقل، معزولا عن الألم او التوبة، لا يأتي بما هو عميق.

عندما يقول اللاهوت التراثيّ ان الخلاص مشاركة بين الله والانسان، لا يجعل الانسان وربّه على مستوى واحد اذ الإنسان لا يُخلّص الإنسان، هو يقبل الخلاص. وسرّ القبول من سرّ النعمة. القبول عطاء إلهيّ، وإذا قلنا ان الخلاص إلهيّ وإنسانيّ معا لا نعني هنا مناصفة تكون فيها المشاركة الانسانية بشرية فقط لا نعمة فيها. المشاركة بين الله والانسان ليست مُحاصصة. ما من عمل انسانيّ خلاصيّ المضمون بلا انعطاف إلهي. فإذا كافأت الله عن كل ما أعطاك، فهذا عمل منه ايضا. أنت لا تعطي إلا ما أَخذته من الله.

انا لا أُحب كثيرًا التأكيد التقليديّ أن الله والانسان مشتركان أوّلهما بالنعمة وثانيهما بالجهد لأن الجهد نفسه ثمرة النعمة. لا خطر على الانسان إذا حجب نفسه قليلا فانكشفت له النعمة. اللاهوت الشرقيّ ليس عنده مشكلة في هذا لأنه يجمع دائما بين عطاء الرب ومجاهدة الانسان. اللاهوت الشرقيّ لم يجابه قط مشكلة المشاركة بين الله والانسان. هذا هو سر الله الذي نعيشه بالطاعة وهو مؤكّد بالوحي.

“بماذا أُكافئُ الرب عن كل ما أَعطاني” لا تعني أن عندي شيئا ليس من الرب أُكافئه به. كل ما عندي هو منه. ولكنه هو ردّ الحب لي. إنك لا تعطي الله الا ما وهبـك. “التي لك مما لك نُقـدّمهـا لك”. هل جئـت من عندياتك بما رددت لله؟ ليس عندك الا ما وهبك ربك. وسرّ طاعتك داخل في سرّ حبّه.

في الحقيقة إنك لا تكافئ الرب. هو يستردّ لنفسه ما أعطاك فإنه “الألف والياء، البداية والنهاية”. انت إذا أَعطيت تبقى عطية الله ولا تنفد ولكنك تُرجع الى الله ما حصلته انت بنعمته.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

الرسالة: أعمال الرسل ١٦:١٦-٣٤

في تلك الأيام، فيما نحن الرسل منطلقون الى الصلاة، استقبلتْنا جاريةٌ بها روح عرافة، وكانت تُكسِب مواليها كسبا جزيلا بعرافتها. فطفقت تمشي في إثر بولس وإثرنا وتصيح قائلة: هؤلاء الرجال هم عبيدُ الله العليّ وهم يُبشّرونكم بطريق الخلاص. وصنعتْ ذلك أياما كثيرة، فتضجّر بولس والتفت الى الروح وقال: إني آمرُكَ باسم يسوع المسيح أن تخرج منها، فخرج في تلك الساعة. فلما رأى مواليها أنه قد خرج رجاء مكسبهم قبضوا على بولس وسيلا وجرّوهما الى السوق

عند الحُكّام، وقدّموهما الى الولاة قائلين: إن هذين الرجُلين يُبلبلان مدينتنا وهما يهوديّان، ويُناديان بعادات لا يجوز لنا قبولها ولا العمل بها إذ نحن رومانيون. فقام عليهما الجمع معا ومزّق الولاةُ ثيابهما وأمروا أن يُضربا بالعـصيّ. ولـما أَثخنوهما بالجراح أَلـقوهما في السجن وأَوصَوا السجّان بأن يحرسهما بـضبط. وهو إذ أُوصي بـمثل تلك الوصية ألقاهما في السجن الداخلي وضبط أرجلهما في المقطرة. وعند نصف الليل كان بولس وسيلا يُصلّيان ويسبّحان الله والمحبوسون يسمعونهما، فحدث بغتة زلزلة عظـيمة حتى تزعزعت أُسس السجن، فانفتحت في الحال الأبواب كـلّها وانفكَّـت قيود الجميع. فلما استيقظ السجّان ورأى أبواب السجن انـها مفتوحة استلّ السيف وهمَّ أن يقتل نفسه لظنّه أن الـمحبوسيـن قـد هربوا. فناداه بولس بصوت عال قائلا: لا تعمل بنفسك سوءا فإنّا جميعنا ههنا. فطلب مصباحا ووثب الى داخل وخرَّ لبولس وسيلا وهو مرتعد. ثم خرج بهما وقال: يا سيديّ، ماذا ينبغي لي أن أَصنع لكي أَخْلُص؟ فقالا: آمنْ بالـرب يسـوع الـمسيح فتخلُص انت وأهل بيتـك. وكـلّمـاه هو وجميع من في بيته بكـلمة الرب. فـأخذهـما في تلك الساعة من الليل وغسل جراحهما واعتمد مـن وقته هـو وذووه أجـمعون. ثــم أَصعـدهـما الى بيته وقدّم لهما مائدة وابتهج مع جميع أهل بيتـه إذ كان قد آمن بالله.

الانجيل: يوحنا ١:٩-٣٨

في ذلك الزمان فيما يسوع مجتاز رأى إنسانا أعمى منذ مولده. فسأله تلاميذه قائلين: يا رب، مـن أخطأ أهذا أم أبواه حتى وُلد أعـمى؟ أجاب يسوع: لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمـال الـله فيـه. يـنـبغــي لي أن أَعمـل أعمال الـذي أَرسلني ما دام نهارٌ، يأتي ليل حين لا يستطيع أحدٌ أن يعـمل. ما دمتُ في العالم فأنا نور الـعالم. قال هذا وتفل على الأرض وصنع مـن تفـلته طيـنا وطلى بالطين عينَي الأعمى وقال له: اذهبْ واغتسلْ في بركة سِلوام (الـذي تفسيره المرسَل). فمضى واغتسل وعاد بصيرا. فالجيران والذين كانوا يرونه مـن قبل أنه كان أعمى قالوا: أليس هـذا هو الذي كان يجلس ويستعطي؟ فقال بعضهم: هـذا هو، وآخرون قالوا: إنه يشبهه. واما هو فكان يـقول: إني انا هو. فقالوا له: كيف انفتحتْ عيناك؟ أجاب ذاك وقال: انسان يُقـال له يسوع صنع طينا وطلى عينيّ، وقال لي اذهب الى بركة سلوام واغتسل، فمضيتُ واغتسلتُ فأبصرتُ. فقالوا له: أين ذاك؟ فقال لهم: لا أَعلم. فأَتوا به، اي بالذي كان قبلا أعمى، الى الفـريسـييـن. وكان حـين صنـع يسوع الطيـن وفتـح عينيه يوم سبـت. فسأله الفريسيـون ايضا كيـف أبصر، فقـال لهم: جعـل على عينيّ طينا ثم اغتسلتُ فأنا الآن أُبصر. فقال قوم مـن الفريسيين: هذا الإنسان ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت. آخرون قالوا: كيف يقدر إنسان خاطئ أن يعمل مثـل هذه الآيات؟ فوقع بينهم شقـاق. فقالوا أيضا للأعمى: ماذا تقول انت عنه مـن حيث إنه فتح عينيـك؟ فقال: إنه نبي. ولم يصدّق اليهود عنه أنه كان أعمى فأَبصر حتى دعَوا أبـوَي الذي أَبصر وسألـوهما قائليـن: أهذا هو ابنُكما الـذي تـقولان انه وُلد أعمى، فكيف أبصر الآن؟ أجابهم أبواه وقالا: نحن نعـلم أن هذا ولدنا وانـه وُلد أعمى، وأمـا كيف أَبصرَ الآن فلا نعـلـم، او من فتح عينيه فنحن لا نعـلم، هو كامل السن فاسألوه فهـو يتكلّم عن نفسه. قال أبواه هذا لأنهما كانا يخافـان مـن الـيهود لأن الـيهود كانوا قد تعاهدوا أنه إن اعترف أحد بأنه الـمسيح يُخرَج من الـمجمع. فلذلك قال أبـواه هـو كامـل السـنّ فاسـألـوه. فـدَعـَوا ثـانيـةً الانسـان الـذي كان أعمى وقالوا له: أَعطِ مجدا لله، فـإنا نَعـلم أن هــذا الإنـسان خـاطئ. فـأجـاب ذاك وقــال: أخاطئ هو لا أعلم، إنما أَعلم شيئا واحدا أني كنتُ أعمى والآن انا أُبصر. فـقالـوا له ايضا: ماذا صنع بك؟ كيف فتح عينيـك؟ أجابهم قد أَخبرتكم فلم تسمعـوا، فماذا تريدون أن تسمعوا ايضا؟ ألعـلّكـم أنتم ايضا تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟ فشتموه وقـالوا له: انت تلميذُ ذاك. واما نحن فإنّا تلاميـذُ مـوسى ونحن نَعـلم أن الله قد كلّم موسى. فأما هذا فلا نعلم من أين هو. أجاب الرجـل وقال لهـم: إن فـي هذا عَـجَبا أنـكم ما تـعـلمـون من أين هـو وقد فـتـح عينيّ، ونحـن نعـلـم أن الله لا يَسمع للخطأة، ولكن اذا أحدٌ اتقى الله وعمل مشيئته فله يستجيب. منذ الدهر لم يُسمع أن أحدا فتـح عيني مـولودٍ أعمى. فلو لم يكن هذا من الله لم يـقدر أن يفعـل شيئا. أجابوه وقالوا له: إنك في الخطايا قد وُلدتَ بجملتك. أفأنت تُعلّـمنا؟ فأَخرجوه خارجا. وسمـع يسوع أنهم أخرجوه خارجا، فوجده وقال له: أتؤمن انت بابن الله؟ فأجاب ذاك وقال: فمن هو يا سيد لأؤمن به؟ فقال لـه يسـوع: قـد رأيتَه، والذي يتكلّم معـك هو هو. فقال له: قد آمنتُ يا رب، وسجد له.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

العطاء الإلهي