...

الأحد بعد عيد الظُّهور الإِلَهي : هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررتُ

 

هذه الكلمات وردت مرّات متتالية على ألسنة الأنبياء بوحي الروح القدس عن المسيح المنتظر، مثل اشعياء الذي تنبأ عن السيد وخصاله وأخلاقه قائلاً: “هوذا عبدي الذي سرّت به نفسي فتيلاً مدخناً لا يطفئ وقصبة مرضوضة لا يقصف ولا يسمع له جلبة في الطرقات”. وأورد كذلك داود النبي نبؤات عنه وغيرَه من الأنبياء أمثال ارمياء وحزقيال وبطرق مختلفة. ثمَّ أكد الله ذلك مرات عديدة في فترة عمل ربنا يسوع المسيح على الأرض أولاً في المعموديّة عند نهر الأردن، وفي التجلي، وعدّة مرات بطرق مختلفة. في المعمودية كما في التجلي صرخ صوت من السماء قائلاً: “هذا هو إبني الحبيب الذي به سررت له إسمعوا”. فصفة الحبيب مرتبطة بأداة الوصل (الذي) وتصل هذه نتيجة أنه الحبيب لأنه أطاع الله حتى الصليب، ولم يدع الموت يجد فيه علَّة ليمتلكه أو يأسرَه. ولهذا صرخ ربنا في وجه اليهود الذين كانوا يلتمسون علّة عليه ليسلموه للموت، فقال: “من منكم يبكتني على خطيئة”. ويشهد الإنجيلي يوحنا أن السيد له المجد بإنسانه الكامل أي بطبيعته البشريّة الكاملة قد إستطاع أن يتغلب على كل الضعفات التي، نتيجة أي منها الموت. سرّ به الله لأنَّهُ علَّم البشر أن السيادة لله وحده وليس للموت على البشر من بعده سيادة حتى ولا على الذين قبله لأنّه قد كسر أبواب ومزاليج حصون الموت وقلاعه وسلمه الى الهاوية التي فتح أبوابها أمام كل الناس الذين إشتهوا أن يروا يوماً واحداً من أيامه، وجعل طريق الملكوت خالياً من أي خوف أو تردد.

إن الإبن هو حبيب الله. نحن البشر بشهادة الكتب والأنبياء أيضاً أحباء الله بالرغم من أننا لم نسرّه، ولهذا في صلواتنا نقول: “لأنك أنت وحدك محب للبشر” أي لأنه منذ البدء أحبنا من غير أن نعمل شيئاً تجاهه. ويشهد الرسول بولص أنه أحبنا نحن الخطأة بالرغم من أنه بالكاد يحب الناس الصالحين، وبالكاد يموت شخص عن المستقيمين أما هو فقد مات عنا نحن الخطأة. ويصرخ الرسول يوحنا قائلاً: “هكذا أحب الله الناس حتى أنه أرسل إبنه الوحيد كفارة عن خطايانا”، وهذا الحب بالرغم من أنَّه خاص بكل واحد منا، ولكنه حب عمومي ينتظر مبادرتنا لنبنيها عليه أي أعمالنا الموافقة لهذا السمو، ونعبر بذلك أن بنوتنا لله الآب بربنا يسوع المسيح الذي صرنا له إخوة ووارثين، لم تبقى مجرّد تلقي مبادرة بل كأبناء حقيقيين نريد أن نسرّ أبانا الذي منه كل شيء. الله أعلن للقديسين بطرق مختلفة أنّهُ قد سرّ بهم. تارة بموهبة العجائب، وتارة أخرى بالتكلم بالألسنة، وتارة بالسيطرة على الوحوش المفترسة، وتارة ثالثة ورابعة بسرور داخلي لا يوصف يترافق مع الأعمال الحميدة التي يقوم بها الإنسان، ولأننا أبناء محبوبين لدى الله، بالرغم من خطايانا وسقطاتنا، الله هو الذي ينقينا ويطهرنا بدمه الكريم، ويجعل ثياب العرس الخاصة بنا بيضاء كالثلج، وقد تنبأ بذلك على لسان اشعياء النبي: “لو كانت ثيابكم كالقرمز فأبيضها لتصبح أكثر بياضاً من الثلج، وأكثر نقاءً من الصوف”.

إذاً هذا هو سعينا أيها الإخوة والأبناء الأحباء، أن نحقق معاني البنوة لله وذلك تداركاً لما سنلاقيه في الحياة الآتية، وبالدرجة الأولى كجواب على مبادرة الله المحبة نحونا لأننا في اليوم الأخير إما أن نكون معه أبناء أو لا نكون فالله لا يقبل الخائفين ولا يقبل العبيد الأجراء الطامعين بل أن تكون محبتنا مترجمة أعمالاً فاضلة كرامة لوجهه الكريم حتى نمجده نحن بهذه الأعمال والتصرفات أمام الناس. وإذا حصل ذلك سيقوم هو بمناداتنا على هذه الأرض بطرق مختلفة، وفي الحياة الآتية أمام ملائكته وجماهير القديسين هؤلاء هم أولادي الأحباء الذين بهم سررت.

هذا ما نرجوه ونصلي لأجل تحقيقه في هذه الأيام، ونطلب منه تعالى أن يعيننا على فهم ذلك لعيشه بكل حكمة وتقوى.

وكل عام وأنتم بخير.

 

باسيليوس، مطران عكار وتوابعها

عن “الكلمة‎”، أبرشية عكار الأرثوذكسية، مطرانية طرطوس، السنة 14، العدد 2، الأحد 11 كانون الثَّاني 2015