...

الجسد والروح

 

الإنسان الأرضيّ والإنسان السماويّ الروحانيّ

يقول الرسول بولس: “الإنسان الطبيعيّ لا يقبل ما لروح الله لأنّه يَعُدُّه جهالةً (أي جنونًا) ولا يقدر أن يعرفه… وأمّا الإنسان الروحيّ فيحكم في كلّ شيء ولا شيء يحكم فيه” (1كورنثوس 2: 14-15).

في الأصل اليونانيّ يأتي التعبير home Psychique من كلمة Psychi التي تترجم anima قريبة من الحيوان (animal)، وهي تعني نفحَة حياة. هذا يعني أيضًا أنّ الإنسان الطبيعيّ يتمتّع بنفحة من الحياة أمّا الإنسان الروحيّ فيفعل فيه، إضافةً، روحُ الله الساكن فيه بنعمة المعموديّة. من هنا يقتني الإنسان فكر الله “أمّا نحن فلنا فكر المسيح”(1كو 2: 16).

* * *

الإنسان الروحيّ لا يتصرّف ولا يكتفي بقدراته البشريّة التي تجعله يحكم بالأمور الأرضيّة فقط. لقد خلق الله العقل البشريّ (الدماغ) لكي يعرف الإنسان الطبيعيّ (النفسانيّ Psychique) أن يدبّر أموره المعيشيّة. أمّا الإنسان المسيحيّ فيتمتّع، إضافةً، بالروح القدس الذي يسكن في القلب لا في الدماغ، ويجعله يتمتّع بإلهامات رفيعة تفوق قدرته البشريّة.

“وحيث روح الربّ فهناك حرّيّة” (2 كورنثوس 3: 17).

“إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله” (كولوسّي 3: 1).

“لأنّ محبّة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا” (رومية 5: 5).

“ثمّ بما أنّكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم”. المعرفة الحقيقيّة لا تكتفي بالعقل بل هي تكتمل عن طريق الروح القدس. هذا الروح يثمر فينا المحبّة وكلّ الفضائل الأخرى أعني الفرح، السلام، طول الأناة، اللطف، الإيمان، الوداعة…

لا يسمح لنا بأن نتصرّف كالوثنيّين “لأنّه إن عشتم فقط بحسب الجسد فستموتون ولكن إن كنتم بالروح تُميتون أعمال الجسد فستحيون” (رومية 8: 13).

* * *

أيّها الأحبّاء، إنّ عمل روح الله، الحياة بموجب الوصايا الإلهيّة الواردة في الإنجيل المقدّس، كلّ هذا ينعكس إيجابيّاً على الجسد لأنّ الروح القدس يكون عربون قيامتنا بالجسد وخميرتها. يقول الرسول بولس: “إن كان الروح الذي أقام يسوع من الأموات ساكناً فيكم فالذي أقام المسيح من الأموات سيُحيي أجسادكم المائتة أيضًا بروحه الساكن فيكم” (رومية 8: 11).

هكذا يكتسب الإنسان الروحيّ، إضافةً إلى ما للإنسان النفسانيّ الطبيعيّ (psychique, naturel)، يكتسب نمطاً حياتيّاً جديداً يميل أكثر فأكثر إلى النور والوعي، إلى الحرّيّة والحياة الأبديّة.

+ أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

عن “الكرمة”، العدد 38، الأحد 18 أيلول 2016

 

الجسد والروح