...

عودة البصر للمكفوفين – الصهيونية المسيحية بعيون فلسطينية

عودة البصر للمكفوفين - الصهيونية المسيحية بعيون فلسطينية

 

 

 عودة البصر للمكفوفين - الصهيونية المسيحية بعيون فلسطينية

 

 

تنويه: الصهيونية المسيحية تتمثل بالجماعات المتجددة والبروتستانتية.

كيف ينظر الفلسطينيون إلى الصهيونية المسيحية؟ سوف أظهر في هذه المقالة أن المسيحية الصهيونية هي أكثر من مجرد معتقدات لاهوتية حول إسرائيل واليهود – إنها لاهوت إمبراطوري. وهي اليوم أيضا – شاءت أم أبت – حركة سياسية. اسمحوا لي أن أبدأ بتعريف قصير للصهيونية المسيحية كما يحدده روبرت سميث: “الصهيونية المسيحية هي عمل سياسي، يتم من خلال التزامات مسيحية واعية، للمحافظة على سيطرة اليهود على منطقة جغرافية تضم الآن إسرائيل وفلسطين.” أريد أن أثبت أن المسيحية الصهيونية هي لاهوت إمبراطوري. وإن الأفكار التي سأعرضها هنا، هي نتيجة سنوات من التعامل مع المسيحيين الإنجيليين حول قضية فلسطين وإسرائيل. وتمثل الاقتباسات التي سأستخدمها، ما سمعته منهم على مر السنين. وإني لا أهدف إلى مهاجمة الأفراد، وإنما إلى تحليل المعتقدات والمواقف.

الدولة المختارة!
يؤكد المسيحيون الصهاينة أن اليهود هم شعب الله المختار اليوم، ويصحب هذا الاختيار الأهلية والحق الخاص؛ وهذا ليس مجرد اعتقاد لاهوتي حول الشعب اليهودي. وإن المزج الذي يجري بين دولة إسرائيل الحديثة وبين اليهود وإسرائيل التوراتية، يعتبر أي معارضة لدولة إسرائيل أو الاحتلال معاديا لليهود، وتصبح ضمنا معاديا لله! ويرى جويل روزنبرغ، -وهو أحد المحللين الذين يظهرون بصورة دائمة  على شاشة محطة “فوكس نيوز”، ويعتبر من الكتاب “الأكثر مبيعا” حسب جريدة نيويورك تايمز،- أنه إذا تحولت الولايات المتحدة ضد إسرائيل، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تهديد وجودي لمستقبل الولايات المتحدة. ويعتمد روزنبرغ في ذلك مثل العديد من الآخرين على سفر التكوين: وَقَالَ الرَّبُّ لإبْرَاهيمَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ.” (تكوين 12: 1-3).

وما يدهشني هو أن هذه الآيات من سفر التكوين لا تذكر إسرائيل في الواقع، وإنما تذكر إبراهيم. وتأتي هذه الآية في وسط الوصاية المجيدة لإبراهيم لكي يصبح نعمة للأمم – وهي الوصاية التي تحققت في نهاية المطاف في يسوع المسيح – الذي هو من نسل  إبراهيم وفقا للقديس بولس الرسول- عندما مات على الصليب. فكيف تحول هذا الوعد المجيد إلى وصفة للسياسة الخارجية اليوم نحو دولة علمانية؟

 

العدالة النسبية

تصبح العدالة الإلهية في مثل هذا المنطق نسبية أو يمكن تأهيلها – وهي نسبية حسب افتراضات المسيحيين الصهاينة. وعلى هذا النحو، يقول دانيال جستر، وهو رجل دين يهودي مسياني: “إن رفض الفلسطينيين الاعتراف بما يقوله الله عن الشعب اليهودي، وعلاقتهم بأرض إسرائيل، سينتج عنه المعاناة. وتتطلب العدالة في ما يخص الأرض، أن يكون هناك خضوع لما أعلنه الله عنها. فإذا كان الفلسطينيون لا يعترفون بوعد الله، فهم غير عادلين بصورة أساسية ورسمية، ويقاومون الله، ويفقدون بذلك حقوقهم في الأرض.” ولا شك أن هذا الاقتباس يتحدث عن نفسه.

 

السيطرة على الرواية

إن الصهيونية المسيحية قوية وفعالة في السيطرة على الرواية. وتأخذ اللغة التي تستخدم هنا أهمية خاصة. فالفكرة التي تقول أن اليهود “قد عادوا” إلى “أرضهم” تمثل خير مثال على ذلك. وبناء على ذلك، اذا كان هناك من ولد في روسيا اليوم، ويمكن أن يثبت أن جدته يهودية، سيكون لديه الحق في العيش في هذه الأرض؛ أكثر من اللاجئين الفلسطينيين الذين ولدوا هنا، والذين يمكن أن نتتبع جذورهم في هذه الأرض منذ مئات، إن لم يكن آلاف السنين. يمكننا أيضا أن نتحدث هنا عن دور علم الآثار والتاريخ، حيث يتم تصوير فلسطين “بأنها أرض جرداء، خربة، وخالية تقريبا، وتنظر أن تتحول إلى أرض يسكنها شعب إسرائيل”.

وهناك أيضا معايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بالواقع المعاصر. ففي كل مرة تقريبا أتحدث فيها إلى مجموعة مسيحية صهيونية، يتم توجيه السؤال التالي لي: “هل تعترف بحق إسرائيل في الوجود؟” ومن المدهش جدا بالنسبة لي، أن يطلب مني أنا الذي تم احتلال أرضه، أن اعترف بحق المحتل في الوجود! فهل تعترف إسرائيل بحقي في الوجود؟ وهل أنتم كمسيحيين تسعون للدفاع عن إسرائيل، تعترفون بحقي في الوجود، والحق في تقرير المصير؟ وينطبق الشيء نفسه في حق الدفاع عن النفس. إذ يصر المسيحيون الصهاينة على أن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها. ولكن هل يحق للفلسطينيين الدفاع عن أنفسهم عندما تتم مصادرة أراضيهم، أو عندما يقوم المستوطنون بحرق حقولهم أو منازلهم؟

 

نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين

إن اللاهوت الذي يعطي امتيازات لمجموعة من الناس، يؤدي إلى التحيز وحتى التعصب. وكثيرا ما ينظر لاهوت المسيحية الصهيونية إلى الفلسطينيين باعتبارهم غير ذات صلة، ويحتلون مرتبة ثانوية بالنسبة لمصلحة إسرائيل. ومنذ البداية، وحتى قبل ولادة الصهيونية، قال اللورد شافتسبري الذي كان رئيسا لجمعية لندن لترويج المسيحية بين اليهود (تعرف الآن باسم : (CMJ “إن  دولة بدون شعب هي لشعب بدون دولة”.  وكثيرا ما كنت أتساءل، ألم يكن اللورد يعرف أن هذه البلاد فيها شعب؟ أنا متأكد من أنه كان يعلم. ولكن كما ترون، إن الأمور هنا تصبح غير ذات صلة. وهناك أمر أكثر أهمية، وأعتقد أن ذلك يعكس عقلية استعمارية نموذجية –وأجرؤ على القول بأنه يعكس عقلية مسيحية؛ وهو أن هناك شعب يعيش على هذه الأرض ولكن يمكن إزالته بسهولة.

 

الخوف

إن موقف التهميش هذا يصبح لاإنسانيا – ويستخدم هذا التهميش اللاإنساني من أجل خلق الخوف. إن الصهيونية المسيحية تغرس الخوف فينا اليوم! فقد أصبح من السهل جدا تصوير العرب والمسلمين بأنهم “العدو”؛ نحن جميعا بحاجة إلى الوحدة من أجل القتال ضد هذا العدو. وينقسم العالم إلى “الأخيار” و” الأشرار”. وقد أظهر الاضطهاد المأساوي للمسيحيين في الشرق الأوسط، فرصة مثالية للبعض من أجل تحقيق بعض المكاسب السياسية. ولهذا السبب يناسب الكثير من الناس في الغرب توصيف الصراع في فلسطين باعتباره صراعا دينيا، حيث يصبح الأخيار هم أصحاب التقليد اليهودي المسيحي (نحن)، والأشرار هم المسلمون (ومنهم الفلسطينيون). ويبرر هذا في المقابل أفعال إسرائيل على أنها حرب ضد الإرهاب، لا بل أنها حرب من أجل الله!

 

التقليد اليهودي المسيحي والتفوق الثقافي

واحدة من العبارات التي نسمعها كثيرا اليوم في العديد من الدوائر المسيحية، هي الإشارة إلى التقليد “اليهودي المسيحي” أو القيم اليهودية المسيحية. ليس هناك ما يكفي من الوقت للنظر في أساس هذه العبارة، ولكنها تبدو للوهلة الأولى بأنها تأكيد على الجذور المشتركة للمسيحية واليهودية. ومن الواضح أن مثل هذا التأكيد، كان حاجة من أجل الرد على سنين من العداء لليهودية. لكن المشكلة، هي أن يستخدم هذا المصطلح اليوم في مثل هذه الطريقة التي تشير إلى التفوق والتحيز. أنا مقتنع بصورة كبيرة بأن استخدام هذا المصطلح اليوم، قد جاء من أجل الإشارة إلى التفوق الثقافي. لا بل كما يقول القس متري الراهب “يستخدم هذا المصطلح لاهوتيا وضمنا ضد الشعب الفلسطيني، وضمن سياق صراع الحضارات ضد الإسلام”.

 

اللاهوت “السليم”

لا يوجد لدى الصهيونية المسيحية مكان لوجهات نظر معارضة. فإما أن تكون مسيحيا صهيونيا أو معاديا للسامية! ليس هناك أرضية مشتركة. ونتيجة لذلك، يجب على المسيحيين الفلسطينيين أن يوافقوا على اللاهوت المسيحي الصهيوني، وإلا فإنهم يعتبرون زنادقة أو معادين للسامية! ويعكس هذا مرة أخرى، عقلية التفوق والعقلية الاستعمارية. وأرجو أن لا أفهم بصورة خاطئة. نحن نرفض وندين أي لاهوت يعلم أن الله يرفض الشعب اليهودي اليوم، أو أن هذا الشعب ملعون، أو أن يلام يهود اليوم عن موت السيد المسيح؛ ولكن أن يطلب منا أن نصادق على معتقدات المسيحية الصهيونية عن الشعب اليهودي والأرض، من أجل الحصول على الحق في الاحتجاج على 68 عاما من المأساة، فهذا غير مقبول!

 

نظرة بديلة: مملكة الوداعة

إن موضوع “مؤتمر المسيح على الحاجز” هو “الإنجيل في مواجهة التطرف الديني”. ولهذا يجب علينا أن نعطي جوابا من الإنجيل ورسالة من الإنجيل. إن لاهوت المسيح – ومملكته اللاهوتية – هي التضامن مع المهمشين! من هم أصدقاء السيد المسيح؟ من كان يحترم منهم؟ أين كان يعظ غالبا؟ إن هذا الأمر مهم! لم يترك المسيح الخوف يمنعه من الاجتماع مع الناس – حتى المرفوضين والمحتقرين. إن ما أدعو إليه المسيحين اليوم، هو أن يستعيدوا أسلوب حياة السيد المسيح وأخلاقه. إذا كان لنا أن ندعي أنه هو الرب – وأن نعيش ونعلن ما أسميه “مملكة الوداعة”. ربما كان أفضل مكان يمكن أن نجد هذا، هو في العظة على الجبل، وفي التطويبات على وجه الخصوص. وأقترح أن نقرأ تطويبات السيد المسيح كوسيلة في تحدي الإمبراطورية. أنظروا على سبيل المثال الصفات التي يقوم يسوع بتقديمها لشعب المملكة، وكيف أن هذه الصفات تختلف جذريا عن صفات الإمبراطورية:

“الفقراء في الروح غير المستكبرين. الحزانى وليس أولئك الذين يعيشون في رخاء. الودعاء وليس الأقوياء وبناة الإمبراطورية. أولئك الجياع والعطاش إلى العدالة وليس إلى المال والراحة والقوة أو الشهرة. للرحماء وليس الأقوياء أو قساة القلوب. أصحاب القلوب النقية وليس أولئك الذين يسعون إلى مجتمع “نقي”. لصانعي السلام وليس إلى غير مبالين للمعاناة! للمضطهدين من أجل العدالة وليس الذين يقيمون في أماكن مريحة ولا يقولون الحقيقة.” 

تختلف طريقة يسوع، وطريقه مملكته جذريا عن طريقة الإمبراطورية وطريقة الصهيونية المسيحية. قال يسوع: “طوبى للودعاء، لأنهم يرثون الأرض”. الودعاء – الضعفاء – يناصرهم الحق والمحبة – يرثون الأرض – أي أرض. هذا هو الإنجيل في وجه السلطة والتطرف. آمين.

بقلم الدكتور منذر اسحق

http://www.kairospalestine.ps/

التنويه أضيف من قبل موقع روم أرثوذكس

 

 

 

 

 

عودة البصر للمكفوفين – الصهيونية المسيحية بعيون فلسطينية