...

بروتو بسالتي الكرسي الأنطاكي ديمتري المر 1880- 1969

 

 

 

تمهيد

تدين الموسيقى البيزنطية او الرومية لأعلام عديدين مروا عليها وجميعهم تركوا بصمات بينة بعد ان نظمها ووضع الحانها القديس يوحنا الدمشقي في القرن الثامن المسيحي…

وكان لدمشق بصفتها عاصمة الكرسي الأنطاكي وابرشية البطريرك الأنطاكي دوراً رئيساً في تنمية هذا الفن بالرغم من واقعها الأليم لوقوعها دوماً تحت الشدة والضغط من مجتمع في معظمه متخلف، إضافة الى حكام غلاة ومتعصبين والحاكم المملوكي ثم العثماني حاقد، اضافة الى محاولات الاستلاب المنتظمة من الرهبنات التبشيرية، التي فتحت لها الرئاسات الروحية ابواب كنائسها وبيوت رعاياها لتساهم في تخفيف الضنك فكان المقابل استلاب منظم نشأ عليه ما نحن فيه من شرذمات، وطوائف وهياكل فرعية مقابل هياكل أصيلة ، ومذابح كنسية فرعية مقابل مذابح كنسية أصيلة…

ومع كل هذا الألم المسبب له من الشقيق والغريب، حافظ الكرسي الأنطاكي على ثوابت ايمانه وليتوراجياه، والترتيل الذي هو سمة مميزة من مميزات الطقس الرومي، وظهر وعلى التتابع اعلام سبق لنا ان تناولناهم بالتنسيق مع الأب الدكتور يوحنا اللاطي الملحن والمدون والباحث الموسيقي في مقال لنا في موقعنا هنا كنا قد نشرناه قبلاً في النشرة البطريركية.

ولعل اهم الموسيقيين الأنطاكيين في اواخر القرن 19 والى منتصف القرن 20 كان البروتوبسالتي (المرتل الأول) ديمتري المر. ومع الاعتراف بأنه كان ثمة ائمة في هذا الفن كالمرتل يوسف الدوماني شقيق البطريرك ملاتيوس وديمتري الازميري…

ولا مندوحة من الاشادة بعدد كبير ممن صاروا ائمة العلم الموسيقي الرومي في القرن العشرين الى وقتنا الحاضر وكل منهم يعد مدرسة متميزة ساهمت في تكوينها الدراسة المثلى لمعهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي في البلمند وانتشروا في كل ابرشيات الكرسي، اضافة الى دور حركة الشبيبة الأرثوذكسية في هذا البعث الروحي، والاهتمامات الشخصية عند هؤلاء…ونكرر القول ان السيد ديمتري المر كان الزارع والمنظم و وقد دوَّن وطبع كتبه، وتابع ولده فؤاد وتلاميذه في التطوير والتحديث مع الحفاظ على خصوصية ماقدمه هذا الفكر الجبار والذي اعترف به الياذوروس المرتل المسكوني الأول في العالم بوصفه له: “أن البروتو بسالتي المر هو لمعة مضيئة في جلد الموسيقى الأرثوذكسية”

وتابع تلاميذ التلاميذ العمل والابداع…

اسرة المر

إن جد متري المر هو يوسف المر من قرية بتغرين من اعمال المتن بجبل لبنان، نزح سنة 1830 الى دير البلمند لوجود اخ وابن عم له بين رهبانه وتوطن قرية قلحات المجاورة، ثم اقترن بفتاة تدعى مريم يني من قرية مجاورة ورزق منها اولاداً كان احدهم الياس والد علمنا. بعد ذلك نزل يوسف مع عائلته الى طرابلس المينا فأقام فيها وكان فيها تجمعاً ارثوذكسياً كبيراً حوالي 90% من السكان والبقية مسلمون.

تزوج الياس بن يوسف المروالد علمنا متري من ظريفة ابنة عبد الله الأروادي من سكان طرابلس المينا، ورسم كاهناً فيها وكان الخوري الياس يوسف المر(1844-1923) متمكناً من قواعد اللغة العربية وآدابها وله رسائل ومقالات ومواعظ في مواضيع مختلفة، وعلم عدة اعوام في مدارس المينا وخدم الكنيسة مايقارب 50 سنة.

ولد علمنا متري في طرابلس المينا في 7تشرين الثاني 1880، ولما ترعرع لقنه والده مبادىء القراءة والكتابة، ثم قرأ الكتاب المقدس على معلمة ضريرة اسمها رفقة الكزلك، وكانت آية في حسن الصوت، فلقنته اياه تلقينا بارعاً على نغمته المعروفة، ومن ذلك الحين بدأ يظهر جمال صوت علمنا، وميله الفطري للموسيقى، وكان يقف في جوقة الكنيسة تحت قيادة البروتوبسالتي الأول في الكرسي الأنطاكي المقدس الشهير الموسيقار يوسف الدوماني الدمشقي، وكان شيخاً جليلاً، وموسيقياً كبيراً، نزح من دمشق بعد مذبحة 1860، واستقر في ميناء طرابلس، وكان اول مرتل في ابرشية طرابلس مدينة وميناء وبقية ارجاء الأبرشية الكورة وتوابعها. وقد لفت انتباه البروتسالتي يوسف فاهتم به واولاه رعاية خاصة.

نبوغه الفطري

في عام 1893 ادخله والده الخوري الياس الى مدرسة كفتين الداخلية التي كانت بادارة مباشرة من مطران الأبرشية المتروبوليت غريغوريوس حداد، وكان وقتئذ بعمر13 سنة فقط وفي السنة التالية كان تلميذاً للبروتو بسالتي يوسف الدوماني، وحفظ على يديه الفن الموسيقي والسلالم الموسيقية البيزنطية وهي كثيرة، إنما بفترة وجيزة.

لم يبلغ علمنا الثامنة من عمره حتى تمكن بنبوغه من معرفة الألحان البيزنطية الثمانية، ومن الترتيل فيها ترتيلاً مستحسناً.

شهرته الفنية

وفي عام 1895 وكان عمره فقط 15 سنة عينه المتروبوليت غريغوريوس مرتلاً اولاً لكنيسة طرابلس، وفي اواخر 1896 عاد الى مدرسة كفتين، فانكب على تعلم اللغة العربية فيها على المعلم العلامة عيسى اسكندر المعلوف1869-1956، ووضع خلالها لحن المجدلة الكبرى، في لحنه هذا ظهر نبوغه الموسيقي الفطري، ثم أقفلت مدرسة كفتين، وتوفي استاذه الشهير يوسف، فتعاطى التجارة في مدينته طرابلس، وظل يرتل في كنيستها، وفي عام 1903 عينه البطريرك ملاتيوسالدوماني استاذاً للموسيقى الرومية في مدرسة البلمندالاكليريكية التي كان قد افتتحها عام 1901، فتخرج عليه كثير من ائمة الموسيقى البيزنطية أحبار الكرسي الأنطاكي (لاحقاً) الكسندروسجحى (حمص)، وتريفن غريب (اللاذقية)، ونيفن سابا (زحلة)، وأغناطيوس حريكة (حماة)، وابيفانيوس زائد (عكار)، وبولس الخوري (صوروصيدا) صموئيل داوود رئيس اساقفة توليدو اوهايو.

وفي سنة 1907 تزوج بحفيدة معلمه البروتوبسالتي يوسف الآنسة نزهة ابنة الدكتور موسى الدوماني.

رحلاته

ثم رافق البطريرك غريغوريوس الرابع بجولاته الرعوية على الأبرشيات في العام 1912. ومنحه رتبة بروتو بسالتي البطريركية الأنطاكية اي مرتلها الأول.

ثم في سنة 1913 رافق البطريرك غريغوريوس الرابع الى روسيا مع الحاشية البطريركية حيث ان غبطته ترأس احتفالات اسرة رومانوف بمناسبة مرور 300 سنة على تملكهم العرش الأمبراطوري الروسي، فمنحه القيصر الروسي نقولا ميدالية اليوبيل ثم قلده وسام القديسة حنة من الدرجة الثالثة، وفي طريق الذهاب الى موسكو مر والحاشية البطريركية بمعية البطريرك غريغوريوس الرابع زار قصر السلطان ثم اجتمع مع كبار رجال الفن الموسيقي في اسطنبول فكان نوضع اعجابهم وتكريمهم ، ولحن للبطريرك المسكوني جرمانوسعاء قدمه له فنشرته المجلة الموسيقية التي كانت تصدر في اسطنبول، ونشرت له قطعاً كثيرة وقرظته تلك المجلة ونقلت تقريظ البروتوبسالتي المسكوني عنه، كما نشرت تلك المجلة المتخصصة سيرة حياته، فطارت شهرته الى كل الأقطار اليونانية وسواها.

في اسطنبول علقت هذه المجلة في عدد لها بالقول التالي: ”لاعجب ان كانت بلاد سورية قد أخرجت الآن الموسيقار النابغة متري المر، فإنها قد انجبت في السابق، القديس يوحنا الدمشقي.”

هذا القول في هذه المجلة المتخصصة بالموسيقى الرومية يعني اعترافاً بتساوي متري المر بقديسنا يوحنا الدمشقي لجهة الموسيقى البيزنطية. فكلاهما احدث ثورة في الموسيقى الرومية، فالدمشقي دونها ووضع الحانها الثمانية وهذبها، ووضع لها الاشارات الموسيقية، ومتري المر عربها بأصول ولا اروع وواءم الألحان والنغمات الشرقية مع الأصل فكان ان احدث ثورة، فليس اجمل من “الذكصولوجيا” او”المجد لك يامظهر النور” باليونانية والعربية بلحن حجاز كار، او النهوند…

بعد عودته من هذه الرحلة الشهيرة الى اسطنبول، التي نقلته الى عموم الأرثوذكسية والعالمية، استأنف تعليم الموسيقى في مدرسة دير البلمندالاكليريكية حتى عام 1914 وفي عام 1916 ذهب الى دمشق واقام فيها حتى نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918 وكان يرتل في الكاتدرائية المريمية، واينما ذهب البطريرك غريغوريوس في الخدم الروحية والزيارات الأبرشية كان يرافقه.

بعد دخول القوات العربية التي كان بقيادة الأمير فيصل بن الحسين شريف مكة وتأليف الحكومة العربية الأولى لحن النشيد الوطني السوري (نادت الأوطان هيا) واعتبر نشيداً رسمياً بناء على قرار المؤتمر الوطني الذي اعتبر سورية مملكة وبايع المؤتمرون الأمير فيصل ملكاً عليها في تموز 1920.( وعند توقيع المعاهدة السورية الفرنسية 1936 اصبح من جديد نشيد سورية الرسمي وبقي على هذه الحال حتى نقضت فرنسا المعاهدة في آذار 1939 وفي السنة 1943 ، وعندما أقيم الحكم الوطني، استبدل النشيد المذكور بالنشيد الوطني للجمهورية العربية السورية ” حماة الديار” نظم خليل مردم بك والحان الأخوين فليفل، والى عهد فيصل ييعود ايضاً نشيد الجيش السوري وهو نشيد “يابلادييابلادي”، ويقال ان جنود البطل الشهيد يوسف العظمة كانت تردده في ميسلون 24 تموز 1920.)

اما نشيد “نادي بنو فينيقيا” الذي هو من نظمه فقد أعده ليكون النشيد اللبناني الرسمي غير ان ملابسات استبدلته بالنشيد الحالي الذي وضع لحنه وديع صبرا، ومن نظمه ايضاً نشيد” لبنان السامي” وعاد الى مدينته طرابلس حيث تابع فيها حياته والترتيل في كنيسة المينا والتدريس في البلمندمجدداً.وبدأت مواهبه الفنية تتقد فلحن مقطوعات موسيقية كثيرة.

وفي عام 1924 رحل وعائلته من طرابلس الى بيروت واستوطنها وتعاطى التجارة، ففتح في شارع ويغان محلاً لبيع الاسطوانات الفوتوغرافية وبعض ادوات الصيد، وعينه مطران بيروت جراسيموس مسرة المرتل الأول في كنيسة القديس نيقولاوس في الأشرفية، وفي سنة 1930 سافر الى الولايات المتحدة، ثم عاد بعد عام الى بيروت، وكان بالرغم من أعماله التجارية المتزايدة يثابر على اهتمامه بالموسيقى والتلحين واستأنف مهمته كمرتل اول في كنيسة مارنقولا كما كان قبل سفره الى اميركا، وصار يدرس الموسيقى في مدرسة الثلاثة أقمار الأرثوذكسية، والأناشيد في مدرسة اللاييك، كما أقام بعض الحفلات الغنائية برفقة عازفين قادرين.

وفاته

توفي في بيروت بتاريخ 31 آب 1969 وهو في التاسعة والثمانين من عمره، تمت جنازته في كنيسة مار نقولا، وقُبر في مدفن العائلة في كنيسة مار متر، ونشرت الصحف اللبنانية بهذه المناسبة، المقالات العديدة التي تشيد بمواهبه الفنية ووطنيته الصادقة واخلاقه الفاضلة.

الأوسمة

اما الأوسمة التي منحت له خلال حياته، فعلاوة على تلك التي نالها في موسكوبمعية البطريرك غريغوريوسن نذكر وسام القديسين بطرس وبولس الذي قلده اياه البطريرك الكسندروس الثالث سنة 1956، ووسام القديس جاورجيوس الذي وهبه اياه ملك اليونان سنة 1960، بالاضافة الو وسام الاستحقاق اللببناني، ووسام القديس مرقص من قبل بطريركية الاسكندرية.

انتاجه الفني

الموسيقى الرومية

بذل علمنا جهداً كبيراً في تأليف الكتب الموسيقية، كان جهداً فردياً حيث لم يشأ ان يستسلم للراحة، حتى اواخر حياته، وقد رضي كما اشار في كتابه الموسيقي” زاد المسافر” ان يعمل منفرداً، ولو متأخراً بما وهبه الله من وزنات، يجب ان يؤدي عنها حساباً في اليوم الأخير.

قبله كان المرتلون يصطنعون اللحن اليوناني حيث غيب النص اليوناني اللغة العربية في طقسنا الأرثوذكسي فكانوا يحشرون الكلمات العربية الطقسية تحته، كيفما جاء لفظها واداؤها، لايراعى فيها التشكيل والتنوين ولا تشكيل الكلمات ولا التصوير الفني لمعاني الترانيم وقد بدأ ومنذ حداثته في الاصلاح تدريجيا، بوضع الألحان على اساس صيغة الترجمة العربية، ثم عاد في سن النضوج، وتنبه الى الخلل الحادث، واقترح تأليف لجنة من المختصين في اللغتين العربية واليونانية، والموهوبين شعراً وتلحيناً وترتيلاً، يُعهد اليها أمر تدقيق الكتب الكنسية، الا ان امنيته كانت بعيدة التحقيق، لعد وجود ظروف مناسبة. ممادفعه أخيراً وكان قد بلغ 75 سنة من عمره الى تأليف كتابه:”زاد المسافر” بجزئيه الأول والثاني، وكذلك كتاب “القيثارة الروحية” وبعدهما كتاب “مديح السيدة”، وعندما تجاوز الثمانين من عمره الف كتاب “الكنوز الموسيقية” وفي اواخر حياته اصدر كتاب” الأسبوع العظيم المقدس” وقد أشار خاصة في كتابه القيثارة الروحية الى المشقات التي تكبدها للحصول على الحركات الموسيقية الموزونة من مصادرها اليونانية، بمساعدة من البطاركة الكسندروس، وثيوذوسيوس، ومطران حماة اغناطيوس حريكة فكان ان ابدع.

ساعده في انجاز المؤلفات الموسيقية، تضلعه في اللغة العربية، وقرظه للشعر، فضلاً عن حصيلته الموسيقية الفنية.

لقد بقي علمنا حتى اواخر حياته يتعاطى الترتيل والتعليم الموسيقي ويشهد الكثيرون ممن كانوا يزورونه في محله التجاري إن كان في بيروت أوفي دمشق، بأن وقتاً كبيراً كان يخصصه للعطاء، لقد كان شغله الشاغل ان تكون لكنيستنا مؤلفات موسيقية يجد فيها المرتلون كل مايلزمهم من التراتيل بلغة عربية سليمة منسجمة مع اللفظ والمعنى. وهذا مافعله تباعاً وقد جاءت محاولاته فردية، ولكنه باتأكيد سينال عنها جائزة الأبكار السماويين الجالسين عن اليمين… ماذا كان سيحل بكنيستنا الأنطاكية لجهة الترتيل لو لم يكن متري المر؟ لاشك ان ربنا وهو في وسط كنيسته هوالمدبر…

وتابع ولده الموسيقار فؤاد من بعد وفاة والده، إصدار المؤلفات الموسيقية، وبذلك حقق وصية والده واصدر كتب :” المزمار الروحي”بأجزائه الثلاثة، و”القياميات” و” الكنوز الموسيقية البيزنطية” والجدير بالذكر ان قسماً من الألحان المنشورة في هذه الكتب من وضع فؤاد متري المر.

وفؤاد هذا علم الترتيل في القاهرة واسس جوقة في كنسة ”الشوام” اي “كنيسة رؤساء الملائكة” في الظاهر، وقد لاحظت انهم يرتلون مديح السيدة كما هو وضعها وعلم اسلافهم اياها ” فمي إذ افتحه…”.

وكان وجودي في هذه الكنيسة في الصوم الكبيرعام 1994 حيث كنت موفداً في عملي الى مصر، وكنت مساء انتقل من مصر الجديدة الى الظاهر الى هذه الكنيسة لحضور صلوات الصوم والمساهمة في الترتيل، اضافة الى الآحاد.

واشير الى اننا جميعنا واساتذتنا ومن علمنا وعلمناهم نرتل وفق الكتب الموسيقية التي وضعها هذا العلامة متري المر، ونعيش نحن ونرى بالمقابل اجواء الخشوع والتقى عند المصلين.

الموسيقى والأناشيد الوطنية

لقد لحن علمنا بعض الموشحات من بينها:” ليه قلبك قاسي ياغصنالبان”و ” القمر في الجنينة شعشع نوره علينا”

لقد اشتهرت اناشيده في البلاد العربية لبلاغة تعبيرها وقوة الحانها، وأثرت في عواطف الجمهورفألهبت الحواس وتلقاها بشغف وافتتان منها نشيد “الشهداء” ابت العين ان تذوق المناما للشاعر الدمشقي خير الدين الزركلي.

ومنها نشيد الملك فيصل ومطلعه:” سورية يامهد السلام” ونشيد “يافلسطين ابنة الأسود امنعي الأعداء ان تسود.”

في عام 1909 طُلب منه تلحين نشيد الشاعر العراقي معروف الرصافي: “نحن خواضو غمار الموت”

كان علمنا أول من أقام الحفلات الغنائية الراقية في بيروت، واشترك فيها كبار العازفين على الآلات الشرقية والبيانو، وكانت تُنشِد في هذه الحفلات الحانه، فانتشرت بسرعة البرق في المدارس والبيوت والأندية الراقية، وقد طبعها مع العلامات الموسيقية الأوربية التي وقف على اسرارها، وتهافت العازفون والمغنون على أخذها، والتغني بها في السهرات، لأنها من الشعر الراقي الأدبي، وفيها الكثير من الموشحات، ممانظمه الأخطل الصغير نظير “صداح” و “كيف انسى” ولحن وديع عقل، ونشيد الاصطياف “حفت مها غسان” وللشيخ اسكندر العازار” ياجبرتي” ولشبلي الملاط “ياقومنا هيا بنا” وللشيخ خليل تقي الدين ” تعال الي” التي طبقت شهرتها الخافقين، كما طبقت قبلها شهرة انشودة “ظبية الأنس” الشهيرة التي كتبها مطران حمص الشاعر والعلامة ابيفانيوس زائد، ثم أخذ بعد ذلك ينظم ويلحن ويجد في ذلك لذة كبرى، ومما نظمه ولحنه “يابلادي” و”لبنان السامي” و”شهدت سقمي الليالي” و”ياأنيس ماذا جنينا”

أما اناشيده الوطنية وسواها فقد انتشرت في سورية ولبنان والعراق والاردن وسائر البلاد العربية.

رحلته الى الولايات المتحدة الأميركية

في عام 1930 قام برحلة الى الولايات المتحدة بناء على دعوة اصدقائه فيها، فجرى له استقبال حافل في نيويورك، ورحبت بمقدمه جرائد الوطن في المهجر، وأقيمت له الحفلات التكريمية في بعض الولايات الأميركية، ونشرت الجرائد السورية واللبنانية المهاجرة صورته مع نبذ وافية عن سيرته وانجازاته الموسيقية في حقلي الموسيقى البيزنطية والعامة، وبعد عام عاد من رحلته الى بيروت مقر تجارته، وهو بالرغم من اشغاله التجارية المتزايدة في محلاته ببيروت ودمشق مازال ينظم الشعر والنثر ويلحن وينشد كلما اقتضت الظروف، وقد استحضرآلات كبيرة للتسجيل وبدأ يسجل أغانيه وأغاني كبار المطربين في المشرق ومنها “يا هاجري” و “بلادي عدتك العوادي” و “نشيد الجامعة العربية” و “نجمة الصبح هبيني” و “هل تخبريني يامنى” وغيرها من الأناشيد الحديثة المطربة والحماسية.

الخاتمة

يعدعلمنا من اعلام الفن الحقيقيين، والرائد في الفن الكنسي البيزنطي وقد طوع الألحان الشرقية والنغمات لصالح الترتيل، وادخلها في التراتيل والطروباريات الأرثوذكسية في كرسينا الأنطاكي ومنها انتقلت الى اليونان وتحديداً كرسي القسطنطينية … وهو غير اليوناني الوحيد الذي اقتحمت موسيقاه كنائس اليونان متخطية الأسوار…

حباه الله بصوت ساحر بديع مطوع لخدمة كلمة الرب، يضاف الى مواهبه الفذة والفريدة ومناقبه الحميدة.عندما رحل متري المر، السنة 1969 وكانت جنازته عرس انطاكي موصوف بكل المقاييس… طالعنا الشاعر سعيد عقل، تحت عنوان كلمات في جريدة “لسان الحال”: “ألحان متري المر، ستبقى مئات السنين لاتُنسى، واحد منها لايزال في ضمير كل لبناني، يعتبره الموسيقار محمد عبد الوهاب، أجمل لحن سمعه. وهو الذي” لظبية الأنس إلي”، وُضع بالأصل نشيداً لمدرسة بكفتين في الكورة، فنقله الى قصيدة حب وشوق وغناء، الكلام عن متري المر، يطول وحده الاصغاء الى صوته يفيه حقه، جنبات مريمية الشام تردد صداه حتى الآن وكذلك في موسكو مع البطريرك غريغوريوس الرابع، عندما كان عصفوراً صغيراً يشدو بزقزقة امام معلمه البروتو بسالتي يوسف الدوماني بعمره الصغير، انه معجزة من معجزات موسيقى الروح الرومية، انه شدو العصافير والأوفياء والصلاة في حداد وفي فرح، وتحت اقدام المصلوب وفي خدمة تنزيله…وهل ابدع من: “أعطني هذا الغريب…” و”اواه…” يبكي المؤمن وغير المؤمن مدراراً من عذوبة اللحن المترافق تصويرياً مع الكلمة…

كلنا نقول مع مثلث الرحمات البطريرك الياس الرابع في القداس الاحتفالي الذي اقيم لراحة نفس علمنا في دير النبي الياس شويا البطريركي، في ضهور الشوير:” سوف نتذكر الموسيقار متري المر، كلما قرعت اجراس الكنائس، وكلما دخلنا الى الكنيسة لنصلي، وليكن ذكره مؤبداً”.

 

http://www.josephzeitoun.com/

 

 

 

 

 

بروتو بسالتي الكرسي الأنطاكي ديمتري المر

1880- 1969