...

الإنسان

 

 

“الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله”. بهذا المعنى الإنسان أيقونة لله، وهو مدعوّ أن يصبح أيقونة حيّة للمسيح.

هذا يعني أنّ الكائن البشريّ الذي يبتعد عن الكائن الإلهيّ يفقد علّة وجوده، لأنّ العنصر الإلهيّ في داخلنا هو الذي يؤسّس إنسانيّتا. لا وجود للإنسان بدون الله، لا وجود للأنسنةHumanisme بدون الألوهيّة Théisme.
 

من جهة ثانية، إنّ الله الذي على صورته خُلقنا هو الله الثالوث القدّوس. بالتالي الصورة الإلهيّة التي بداخل كلّ منا هي أيقونة ثالوثيّة. الله اذاً، الذي بدونه لن أكون انساناً حقيقيّاً، هو إله حبّ متبادل. هو ليس شخصاً واحداً محبّاً لذاته بل ثلاثة أشخاص محبّين أحدهم الآخر.

نحن البشر مدعوّون إذاً أن نكون أناساً محبّين بعضنا بعضاً بحبّ مشترك Perichorêse.
 

علينا أن نعكس على الأرض روح الشركة الثالوثيّة.
 

لا يستطيع، ولا واحد منّا، أن يبلغ بالعزلة الإنسان الكامل. عليّ أن أحبّ الآخرين وأن أُحَبَّ منهم.
 

*        *       *

كلّ ذلك، إن لم يتوفّر في المجتمع أي في الشركة العالميّة والإنسانيّة Roinonia، يخلق آلاماً وأوجاعاً متنوّعة؛ وفي المحصَّلة يتشوّه الإنسان الإله كما هو ظاهر وملخَّص في شخص المسيح مع إكليل الشوك
 وثوب الأرجوان، الإنسان الإله الذي أخرجه بيلاطس إلى الجمع قائلاً لهم: “هوذا الإنسان” (يوحنا 19: 5). هذه هي الإيقونة الموضوعة عادة على المذبح الإلهيّ. عندها أجاب اليهود مع رؤساء الكهنة “اصلبه اصلبه… يجب أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الله” (19: 6).
 

“هوذا الإنسان” شقيّ، معذّب مرذول… وحتّى لا تبقى الصورة قاتمة يأتينا سفر العبرانيّين بالمخرج الرجائيّ في تدبير الله الخالق بقول المزمور الإلهيّ المُلهم من الله:
 

“ما هو الإنسان حتّى تذكره أو ابن الإنسان حتّى تفتقده. وضعته قليلاً عن الملائكة بمجد وكرامة كلّلته” (عب 2: 6-7) (مز 8: 4-5-6). “من أجل ألم الموت لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كلّ واحد” (عب 2: 9).
 

هناك تضادّ contrast بين مجد المسيح وتنازله (إلى الجحيم)، بين مجد الإنسان في الخلق والقيامة (الخلق الجديد) وضعف الإنسان بداعي حرّيّته وآلامه وأهوائه وموته المصيريّ.
 

مع كلّ ذلك التضادّ يقرب الإنسان الملائكة الأطهار وكذلك مجدهم وقداستهم مع الكرامة، صائراً ملكاً للخليقة سيّداً على كلّ اعمال الله.

لقد صار ابن الله انساناً متألّماً مائتاً لكي يصير الإنسان إلهاً ممجَّدًا.

 

أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

عن “الكرمة”، العدد 22، الأحد 29 أيّار 2016

 

 

 

 

 

الإنسان