...

الرُّوحُ الـمَجْمَعِيَّة

 

 

“اليومَ نعمةُ الرُّوحِ القُدُسِ جَمَعَتْنَا، وكلُّنا نرفعُ صليبَكَ ونقول: مُبَارَكٌ الآتي بٱسمِ الرَّبِّ، أُوصَنا في الأعالي”.
* * *
اليوم أودُّ أن أكلِّمَكُم عن “الرُّوح المجمعِيَّة” الَّتي تُمَيِّزُ كنيسَتَنَا الأرثوذكسيَّة لما فيها من أهمِّيَّةٍ على الرّغم من صعوبتها في آنٍ واحِد.
يبدأ أعضاء المجمع اجتماعاتهم بصلاة ٱستِدْعَاءِ الرُّوح القدس، ذلك وعيًا منهم لضعفاتهم وللحاجة إلى معونة القوَّة الإلهيَّة. الإنجيلُ يكون مفتوحًا في وسط القاعة خلال أعمال المجمع كلّها، إيقاظًا وتذكيرًا للآباء المجتمعين بضرورة الإستنارة من روحه لأجل كلّ كلمة تصدُرُ من فمهم خلال النِّقاش. “الرُّوح المجمعيَّة” ليست قضيَّة سهلة إذ تقتضي من كلّ عضو أن يتجرَّد من أَنَاهُ ومن المجد الباطِل، لكي يُعَبِّرَ عمَّا ينسجم مع الرُّوح الإنجيليَّة.
لا بدَّ له أيضًا أن يتجنَّبَ التَّحَزُّبَ، هذا الَّذي يُجَرِّبُ في كثير من الأحيان رؤساء الكهنة في ٱجتماعهم سويَّة. كَثْرَةُ المعرفة، موقع السُّلْطَة وغيرها… كثيرًا ما تُشَكِّل أيضًا مصدرًا للتَّجربة الكُبْرَى، تجربةُ الأنا الَّتي لا يُقْصِيها إلَّا ذاك الَّذي يُنَزِّهه الله عن أهوائه.
لقد سَادَتْ، بمعونة الله خلال الإجتماعات، المحبَّة وكذلك التَّعَقُّل في معالجة كثيرٍ من الأمور الشَّائِكَة. ما ساعَدَ على ذلك تهيئة المواضيع كلّها مُسْبَقًا مع توزيعها ليتدارَسَهَا الحاضِرُون قبل مناقشتها. كلّ أسقف يأتي إلى المجمع حامِلاً معه قضايا رعيَّتِه وشجونها لينقُلَها إلى الإخوة منتَظِرًا منهم الملاحظات والحلول المناسِبَة. بعض الموضوعات بحاجة إلى أخصَّائيِّين يُسْتَدْعَونَ عند الحاجة لكي ينيروا الأساقفة كون هؤلاء لا يحيطون بكلّ المواضيع والتِّقَنِيَّات اللاَّزِمَة. طبعًا، المعرفة لا تكفي لاستِطْلاعِ الأمور وإيجاد الحلول. إنَّ حكمة الأساقفة الآتِيَة من محبَّتِهِم لله وأمانتهم للإيمان القويم تجعلُهُم يعبِّرُون عن “الكلمة” (la parole) الآتِيَة من فوق بإيحاء الرُّوح القُدُس. المجمع معصوم عن الخطأ لا بمجرَّدِ اجتماع الأعضاء بل بداعي قداسة الحاضِرِين. يقول سفر الأعمال: “لأنه قد رأى الروح القدس ونحن …” (أع 15: 28).
يبقى أنَّ علاقةَ السَّيِّد البطريرك بالمطارنة يُحَدِّدُها القانون 34 من القوانين الرَّسُوليَّة (وثيقة من القرن الرابع المسيحي) بقوله: “إنَّ الأساقفة عليهم أن يحترِمُوا رئيسَهُم معتَبِرِين إيَّاه كسيِّدِهِم ولا يعمَلُونَ شيئًا دون مشورته، كما على الأوَّل (أي البطريرك) أن لا يقوم بشيء دون مشورة الآخَرِين. هكذا يتمُّ الوفاق ويتمجَّدُ الآب والابن والرُّوح القدس”.
يبقى البطريرك رمز الوحدة، ويتحَلَّى بالحكمة حامِلاً شعارَ الأرثوذكسيَّة في كنيسةٍ رسوليَّة تُعَبِّرُ عن كلمة الحقّ.
“الرُّوح المجمعِيَّة” تأتي من قلوبٍ طاهِرَة ومن عقولٍ مُسْتَنِيرَة فيها العمق والبساطة معًا. كلُّ واحِدٍ يُقَدِّمُ نفسَه إلى الآخَر بشفافيةِ المسيح وبساطته. نظامٌ صعبٌ تحقيقُه، لكن صالحٌ وحده في كنيسة المسيح كونه لا ينتمي إلى هذا العالم.
أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
عن “الكرمة”، العدد 26، الأحد 30 حزيران 2013

 

 

 

 

 

الرُّوحُ الـمَجْمَعِيَّة