...

نور العالم

 

 

في العظـة على الجبـل -ومنها جـاء هذا الفصل- يقول السيد لتلاميذه ولنا من بعدهم: “أنتم نور العــالــم” (مت 5: 14). هـذا انعكـاس لقـوله عن نفـسه في يوحنا: “أنا نور العالم” (8: 12). يدعونا يسوع لنُظهر هذا النور في الأعمال الصالحة، ونتيجتها أن من يراها يمجّد الله. ثم أراد أن يرُدّ عنه تهمة أَلصقها به اليهود قال: “لا تظنّوا أَني أتيتُ لأحُلّ الناموس والأنبياء”. الأنبياء تكلّموا عليه، ومن الطبيعي أن يقول انه لا يحُلّهم. ولكن ناموس موسى المتعلّق بالفرائض كتقديم الذبائح الحيوانية إلى الهيكل كيف لم يحُلّها. في الواقع هو حرّرَنا من كل الفرائض المادّية وأبقى التوجيهات أو التوصيات الروحية.

فالوصايا الأخلاقية في الوصايا العشر باقية. فريضة السبت التي من هذه الوصايا وطابعها طقسيّ غيرُ أَخلاقيّ نُسخت، والمسيحيون لا يَسبتُون عن الأعمال في السبت. تحريمُ السرقة والكذب يبقى. غير أن المسيح دخل إلى أعماق الوصايا. ليس فقط حافظ على الإخلاص الزوجيّ المنصوص عند في قول الرب قديما: “لا تزنِ”. أضــاف يســوع: “مَن نظــر إلـى امـرأة ليشتـهيها قد زنى معــها فـي قلــبه” (مت 5: 28). يستـأصـل يســوع الـزنـى من القلب. يدخل في ملكوت القلب حتى تذهب الخطيئة. كذلك استأصل الغضب والشتائم. يسـوع دخـل الى أعماق الإنسان ليُطهّرها.

فالنـامـوس المـوسـويّ لا يبقـى في أشكاله أو تنظيمـاتـه. تبقـى فقـط روحـه أو اتّجـاهـه إلـى الله. زالـت ذبـائـح الهيـكل لأن المسيـح صـار الذبيـحة الوحيدة. فإذا فدانا بها، ما الحاجة إلى الذبائح الحيوانية؟ كانت الختانة التي تدلّ على عهد الله مع إبراهيم. العهد الجديد مع الله كان بدم يسوع، فما الحاجة الى الختانة؟ عندنا الآن صورة جديدة عن العهد وهي المعمودية.

اذًا هناك تواصُل مع العهد القديم. ولكن عندنا تجاوز لصوره ومادّيته وهذه كانت تُهيّئ بشكلها الخارجيّ للعهد الجديد. مع ذلك نحافظ على العهد القديم من حيث القراءة ليبقى الارتباط بين الشيء الجديد وصورته القديمة، ولكن الصورة القديمة لا تبقى في تطبيق الكنيسة.

مَثَــلٌ آخــر إلغــاء الكهنـوت الـلاويّ. فبعـد أن صـار يسوع الكاهنَ الأوحد، لـم تبـق حـاجـة إلـى الكهنـوت الـذي جـاء مـن هـارون، والكهنـوت المسـيحـيّ لا يُـكمل الكهنـوت اليهـودي ولكنـه يُكمـل كهنـوت المسـيح.

أخيرًا ينتهي هذا الفصل بقول يسوع: “أما الذي يعمل ويُعلّم فهذا يُدعى عظيما في ملكوت السموات”. كلمة تدينُنا إذ قد يكون أحدُنا ممتازا في إعطاء التعليم المسيحيّ أو اللاهوت ولا نفع فيه روحيا. من كانت فيه موهبة التعليم يسعى لأن يكتسب موهبة العمل الروحيّ في الكنيسة لئلا يبقى فُصامٌ في الشخصية ويُجدّف على الله بسبب هذا الانسان.

هذه دعوة الى قران التعليم والعمل.

جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

عن “رعيّتي”، العدد 29، الأحد 17 تموز 2011

 

 

نور العالم