...

من الموت إلى الحياة

 

 

كل من يتألّم في الوجع الجسدي يرى أن له علاقة بالخطيئة. الإنسان المؤمن يعي أن الله يفتقده بأوجاع وأنه يرث من خطيئته آلامًا بالنفس وبالجسد. في كلّ حال، يُعلّمنا الكتاب المقدس، من بعد ان أخطأ آدم، أن البشرية سوف تتوجّع، ويقول على لسان بولس أن نتيجة الخطيئة هي الموت. إذًا هناك رباط مُستَحكم بين الخطيئة التي ارتكبها آدم والموت الذي ماته المسيح. يقول الكتاب: «إنْ أكلتما من ثمر هذه الشجرة فموتًا تموتان» (تكوين ٢: ١٧)، ليس أن الموت عقاب فقط، وهو كذلك، ولكن الموت هو نتيجة حتميّة للشر الذي نرتكبه. الخطيئة ضجّة في النفس وتأوّه في النفس. هذا التشابه الرهيب بين الشرّ الذي نريده أو نقوله أو نفعله وبين المرض ونتيجة المرض هو ما يعلّمنا عنه الكتاب. لا يقول الكتاب المقدس ان آدم نال العقاب، والإنسانية ليس لها أن تنال العقاب، لكن الكتاب المقدّس يعلّم التالي: آدم خطئ وطلع الموت في نفسه، في جسده، وكلّ إنسان على صورة آدم يخطئ فينبع الموت في نفسه مرضًـا وشرّا وعذاب ضمير حتى تتراكم هذه الأمراض ويُسلم روحه ممّا أصابه. هذا هو تعليم الكتاب.

ويُطرَح السؤال: لماذا يوجد موت؟

يعطينا الكتاب المقدس الجواب: الله تحدّث عن الخطيئة. الله لم يوجد الموت. لم يخلق الموت، بل خلق الحياة. الإنسان جلب الموت لنفسه. يستطيع الإنسان ان يشوّه نفسه ويُغذّي الوحش الذي فيه. ولكن الوحش يموت عن طريق التهذيب والفضائل. ولكن إذا ترك الإنسان نفسه ولم يراقب نفسه ولم يصل إلى الإيمان أو رفض الإيمان وكل علاقة له مع الرب، يعود ويسقط بهذا الذي كان عليه، أي انه يرجع وحشًا. الإنسان صانع وحشيّته وصانع موته فيه. كلّ إنسان يوجِد الخطيئة في نفسه، وكلّ إنسان يوجِد موته. إذا كنا نخاف الموت، فلنكفّ عن الخطيئة.

يقول يسوع المسيح انه خلّصنا من الموت. كيف؟ يقول يسوع ان الموت لن يخيفنا في ما بعد إن كنّا راسخين في المسيح، لذلك نعبر الموت الذي جلبناه لأنفسنا ونحن أحرار منه لأننا ناظرون إلى النُّور الآتي في ما بعد، أي إلى القيامة. الكنيسة لم تشأ أن تجعلنا راجين للقيامة الآتية في آخر الأزمنة وحسب، أرادت ان تجعلنا نذوق القيامة منذ الآن بالأسرار، بالصلاة وبكلمة الله، لذلك قال الرسول بولس: «ان كل من اصطبغ منّا في المسيح يسوع اصطبغ في موته، فدُفنّا معه في المعمودية للموت حتى إنّا كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب كذلك نسلكُ نحن أيضًـا في جدّة الحياة» (رومية ٦: ٣). يقول بولس في هذه الآية ان الذي يصطبغ بصبغة المسيح في المعمودية يعتمد إلى موته، أي انه ينتقل إلى موت المسيح، كأنه ميّت مع يسوع المسيح على الجلجلة، مسمّر على الصليب في المسيح. نرى المسيح المصلوب ونسير اليه، نتّحد معه، لا نخاف الموت، نتحرّر من الخطيئة، ونكون هكذا قد نُشلنا من الموت وسرنا مسيرة الحياة إذ نُقام مع المسيح لمجد الله. من أجل ذلك يُغطَّس الطفل بالماء في ما يشبهُ الموت، ثم ننشله من الماء وكأنه أُنقذ من الموت إلى الحياة الجديدة التي ينالها المؤمن بيسوع المسيح.

من أجل ذلك أيضًا نأخذ جسد المخلّص ودمه الكريمين حتّى تكون فينا حياته، حتّى نحيا من جديد.

ما تعلّمه كنيستنا عن القيامة ليس أنَّ الجسد ينحلّ لأنه قابل للموت، والنفس خالدة غير قابلة للموت. النفس تموت كما الجسد لأنها أخطأت. الإنسان لا يخلُد بنفسه. الإنسان يخلُد بقيامة المخلّص. الإنسان بطبيعته ليس خالدًا ولا ميتًا. الإنسان يُميت نفسه بالخطيئة، وهو بحاجة إلى من يُخلّصه.

من أجل ذلك عندنا المخلّ. ولذلك لا نفكّر مثل الذين يقولون انّنا نخلُص بالعقل وبالفكر وبالثقافة وبالتقشّف على طريقة الحركات الهندوسيّة. نحن نقول ان الإنسان يُخلّده المسيحُ الذي خلّد جسده عندما أقامه من بين الأموات. يُخلّدنا عندما يترك لنا جسده ودمه. عندما نتناول جسد المسيح القياميّ الممجّد، وعندما يدخل هذا الجسد الحي إلى أجسادنا وإلى نفوسنا، تتحكّم بنا القيامة. الذين يأخذون القرابين الإلهيّة يصبحون إلهيّين ولا يذوقون الموت إلى الأبد.

إذا ما عيّدنا الفصح، وأرجو أن يُرينا اللهُ هذا النهار المبارك، فلْنتذكّر أنّنا قياميّون، يُمكننا أن نقتُل أنفُسنا بأنفُسنا بالخطيئة كما يُمكننا أن نحكُم أنفُسنا بقوّة هذا الذي أَحيانًا أي يسوع المسيح.

جاورجيوس،  مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

عن “رعيّتي”، العدد 13، الأحد ٢٧ آذار ٢٠١٦

 

 

 

 

 

من الموت إلى الحياة