...

تعالوا فإن كلّ شيء قد أُعِدَّ

 

 

استعدادًا للميلاد المبارك، نُقيم اليوم ذكرى الأجداد الذين سبقوا السيد من آدم إلى مريم، وفي الأحد القادم سنقيم ذكرى الذين سبقوه من العبرانيين أي ابتداء من إبراهيم. السيد متصل بكل الجنس البشري، وبنوع خاص بالأبرار الذين هيّأوا مجيئه.

يتحدّث إنجيل اليوم عن وليمة أَعدّها إنسان فأخذ يُرسل بطلب المدعوين، ولكنهم اعتذروا الواحد تلوَ الآخر: هذا له حقل اشتراه، وذاك له فدادين أراد ان يفلح بها، فاستعفيا، والثالث تزوج امرأة فقال: لا أقدر أن أجيء. غير ان صاحب الدعوة لم يقبل من أحد عذرًا لأن الوليمة الإلهية خير من كل شيء آخر.

كما ان الأبرار في العهد القديم كانوا ناظرين إلى مجيء المخلّص، هكذا نحن ننظر إلى هذه الوليمة الخلاصية التي تنتظرنا والتي أَعدّها لنا يسوع بتجسُّده. ولهذا أخذ صاحب الوليمة يجمع المساكين والعُميان والعُرج من الطريق ويُدخل إلى ملكوته مَن لم يكُن مُعَدّا لهم.

وهذا تحذير لنا لأننا نحن، بعد ان هيأَنا الإنجيلُ لاقتبال الخلاص، نستعفي بسبب أغراض هذا العالم وبسبب حاجاتٍ حقيقية أو مصطنعة. اختلقنا الأعذار التي تُحوّلنا عن رؤية يسوع وعن الانضمام اليه في التوبة والامتثال وتهيّؤ النفس. ولذلك يُحذّرنا السيد بقوله ان المدعوين كثيرون والمختارين قليلون، وقد نكون نحن من الذين نُقصَى عن وجهه ونُرمى في الظلمة البرّانية.

غير أن يسوع آت لننظر اليه ويكون هو نعيمنا ومائدتنا ووليمتنا وغذاءنا الدائم. فيسوع يغذينا إن نحن التفتنا اليه كما التفت اليه إبراهيم والأبرار الذين انحدروا من إبراهيم وكانوا لا يعيشون الا لمجيء المخلّص.

مَن منّا يحيا لمجيء المخلّص إلى قلبه بعد أن جاء إلى العالم؟ مَن طهّر قلبه ليصير مذودًا للرب يرحّب بنعمته؟

إن كنّا مرتدّين عن المسيح مُبتَعدين عنه بعادات سيئة نُكررها وبخطايا نستطيبها، إن كنّا نافرين من المسيح، أو كان نافرًا منّا بسبب خطايانا، فهوذا اليوم يوم مقبول، انه يوم خلاص نتهيأ فيه لكي ينبثق منّا المسيح كما انبثق بالجسد من أُمّه. كلّ منّا يستطيع أن يكون مريم العذراء، أي أن يُجسّد المسيح في بيته، بين أصدقائه، في قريته، في العالم.

العالم يشتاق الى مَن يُنقذه من ويلاته، من سقوطه، من اهترائه. العالم يتمخّض. متى يأتي النور؟ النور هو نحن الذين عُمّدنا وليس لنا الا أن نُشعّ اذا استطعنا أن نعود الى السيّد. سوف يأتينا طفلا لكي نعود، لكي نبقى، لكي نلازمه في فقره وفي تعبه وفي آلامه، لكي نلازمه بالحب الذي أعطانا. وهكذا إذا ذاق الناس المحبّة التي نعطيها نحن، يستطيعون أن يعودوا وأن يكون عُمرهم كلّه عيدًا.

جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

عن “رعيّتي”، العدد 50، الأحد ١١ كانون الأول ٢٠١٦

 

 

 

تعالوا فإن كلّ شيء قد أُعِدَّ