...

المؤمنون نور العالم

 

 

“انتم نور العالم” يستمدّه التلاميذ ومن بعدهم المؤمنون من المسيح الذي وصف نفسه بأنه نور العالم (يوحنا 9: 5). ومن الطبيعي أن يضيء نورُنا قدام الناس ليروا أعمالنا الصالحة فيمجدوا الله الذي أعطانا هذا النور.

تكونون مثل أورشليم الواقعة على جبل. ولعل المعنى ايضًا أن الكنيسة ككل التي تؤلّفونها هي نور للعالم أجمع.

الأعمال الصالحة لا نقوم بها لتمجيدنا بل لتمجيد الله الذي في السموات. نضيء الناس بالمحبة التي فينا، والمحبة لا تنتفخ كما يقول بولس. الناس يرون الأعمال الصالحة، ومن قام بها ينسبها دائمًا الى الله.

بعد هذا يقول السيد: “لا تظنّوا أني أَتيتُ لأحُلّ الناموس (اي شريعة موسى والأنبياء). يسوع لا يُلغي النصوص المقدسة لأنه يشدّنا الى البر الذي فيها. في الواقع ألغت الكنيسة الذبائح الدموية. لذلك نسمّي القداس “الذبيحة غير الدموية”. المسيح يريد الناس أن يروا غاية الناموس والأنبياء وهي البِر.

لقد حافظنا على أنبياء العهد القديم في الكنيسة لأنهم يُشيرون الى المسيح ويتنبأون عن مجيئه. نحافظ عليهم لندلّ على غايتهم التي هي المسيح.

أجل “لا يزول حرفٌ واحد او نقطة واحدة من الناموس حتى يتم الكل”. الناموس علي صعيد الحرف يزول بمعنى أننا لا نحافظ على محظوراته كالامتناع عن أكل بعض اللحوم كالخنزير، ولكن المقصود من الناموس ان يقودنا الى الله. “الناموس بموسى أُعطي، اما النعمة والحق فبيسوع المسيح حصلا”. هذا ورد في مطلع إنجيل يوحنا ويدلّنا أننا بالمسيح بلغنا غاية الناموس وهي النعمة والحق.

يسوع يحلّ الحرف القديم ولا يحلّ معناه وهو الاتحاد بالله عن طريق ابنه ولا سيما في موته وقيامته.

خلاصة كل هذا أن “الذي يعمل ويُعلّم يدعى عظيمًا في ملكوت السموات”. القائم في نعمة المسيح، المتقدس في الكنيسة يعمل بالبر الذي اقتناه من الإيمان والرجاء والمحبة. هذه تُنتج أعمالا صالحة. يضيف يسوع إلى العمل التعليم. العمل بحد نفسه تعليم بالقدوة. ولكن هناك تعليم بالكلام. هذا أشار اليه السيد بإرسال تلاميذه الى البشارة، وأشار اليه بولس الرسول باعتباره المعلّمين فئة نالت موهبة التعليم من الروح القدس في رسالته الأولى الى أهل كورنثوس ورسالته الى أهل رومية.

من المؤكد أن الجاهل ليس كالمعلّم، والله يُخلّص هذا وذاك، ولكن الرب جعل لتعليم اللاهوت مكانة كبرى في كنيسته، فاللاهوتيون حافظون للإيمان، يدافعون عنه في ما يكتبون.

واللاهـوت ليس وقـفـًا على أساتذته في كليات اللاهوت، ولكن كل من علّم الإيمان المستقيم في الكنيسة او صفوف المدارس اللاهوتيـة على أيّ مستـوى كان يلقـّن الصغار والكبار حقائق الإيمان. والوالد والوالدة يحملان شيئًا من التعليم المسيحي ويُلقّنانه أولادهم. المجلاّت والمقالات الدينية ونشرات الأبرشيات تنقل الإيمان ايضًا.

هذا التعليم ليـس حكرًا على الكاهن. كل منـّا مدعوّ الى أن يتلقّن الإيمان ويعطيه بمحيطه ولئن كان الكاهن المعلّم المسؤول عن طريق الوعظ في الخدمة الإلهية. والمهم أن يكون المسيحي في تعليمه وعمله موافقًا للروح القدس واستقامة العقيدة.

جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

عن “رعيّتي”، العدد 29، الأحد 15 تموز 2012

 

المؤمنون نور العالم