...

الصَّـلاةُ القَلْبِيَّـةُ

لا يقدِرُ الإنسانُ على أَيِّ شيءٍ بدون النِّعمةِ الإلهيَّة. لا يستطيعُ أَنْ يَدنُوَ من اللهِ أو يتَّحِدَ به بقواهُ الخاصَّة. لذا، يحتاجُ إلى معونَةِ روحِ اللهِ القُدُّوس.

يقولُ الرَّسولُ بولس في صدد الصَّلاة: “أَطْلُبُ أَوَّلَ كلِّ شيءٍ أَنْ تُقامَ طلبات وصلوات وابتهالات وتشكُّرات لأجل جميع الناس. لأجل الملوك وجميع الَّذين هم في منصبٍ لكي نقضِيَ حياةً مطمئنَّةً هادِئَةً في كلِّ تقوى ووقار” (1 تيموثاوس 2: 1-2).

كثيرةٌ هي الأعمالُ الصَّالِحَة المطلوبة مِنَّا، لكنَّ العملَ الَّذي يفوقُ عليها كلّها هو عملُ الصَّلاة، إذ بدونها ليس من عمل صالح. لذا يوصينا الرَّسول قائلاً: “إفرحوا كلَّ حينٍ، صلُّوا بلا انقطاعٍ، اشكُرُوا في كلِّ شيء”

(2 تسالونيكي 5: 17).

بدون الصَّلاة المستمرَّة لا نستطيعُ أَنْ نلتقِيَ بالسَّيِّد، أَنْ نصلبَ الجسدَ مع الأهواءِ والشَّهَوَات، أَنْ نستنيرَ في قلبِنا بنورِ المسيح. نعم!، الصَّلاةُ المستمرَّةُ: “لأَنَّنا لسنا نعلَمُ ما نصلِّي لأجله كما ينبغي، ولكنَّ الروحَ نفسه يشفعُ فينا بأَنَّات لا يُنطَقُ بها” (رومية 8: 26). يقول القدِّيس اسحق السرياني:”جاهِد في اكتسابِ خبرةِ الصَّلاة فتقتني الفضائلَ الأُخرى كلّها”. يقول، أيضًا، الأب يوسف الهدوئيّ: “إِجْتَهِدْ في إرشادِكَ النُّفوسَ إلى الخلاص أَنْ تُعَلِّمَهُم أَوَّلاً الصَّلاة. والصَّلاة تقودُهُم إلى كلِّ شيءٍ صالِح وتقدِّسُهُم”. يفيدُنا القدِّيس مكاريوس المصري بقوله: “من الضَّرُوري، لمن يأتي إلى الرَّبِّ، أَنْ يغصبَ نفسَه على عملِ الخير، حتَّى ولو لم يكنُ في قلبه مَيْلٌ إلى ذلك… عليه أَنْ يُقْبِلَ على الوداعة، الرَّحمة، وأَنْ يغصبَ نفسَهُ على الصَّلاة حتَّى عندما لا يريد أَنْ يصلِّي. هكذا، ينبغي أيضًا أَن يغصبَ نفسَه من أجل الثِّقة، التَّواضع، المحبَّة والتألُّم بفرح.. والرَّبُّ عندما يرى جهادَه الثَّابِت، حتَّى ولو أنَّ قلبَه لا يريدُه، يهبُهُ صلاةَ الرُّوح النَّقيَّة (pure prayer)، والمحبَّة الحقيقيَّة والوداعة وأحشاء الرَّحمة واللُّطف. باختصارٍ، يملأُه من ثمارِ الرُّوح”.

عندما يصلُ الإنسانُ إلى الصَّلاة المستمرَّة يبلغُ قمَّةَ الفضائِل، وبالتَّالي يصبِحُ مسكنًا للرُّوح القدس. فقد قيل إِنَّ الرُّوحَ عندما يسكنُ في إنسانٍ لا يدعُهُ يتوقَّفُ عن الصَّلاة، بل الرُّوح نفسُهُ هو الَّذي يصلِّي فيه (رو 8: 26). عندئذ، لا تنقطِعُ الصَّلاةُ عن نفسِه لا في النَّومِ ولا في اليَقَظَة. فإنْ أكلَ وإنْ شربَ وإنْ نامَ وإنْ فعلَ أيَّ شيءٍ، حتَّى ولو كانَ في نومٍ عميقٍ، فإنَّ أريجَ الصَّلاةِ وشذاها يصعدان من قلبه دون تعب.

* * *

أخي الحبيب، إِجْتَهِدْ أن تُصلِّي صلاةَ يسوع، صلاةَ التَّوبة للقدِّيس أفرام، صلاةَ “يا ربَّ القوَّات”، وذلك كلّ يوم صباحاً ومساءً، وحدَك ومع الجماعة، بخاصَّة في هذا الصوم المبارَك، في هذه الظروف القاسِيَة. وأنا أقولُ

لكَ: ليسَ لكَ تعزية روحيَّة لحياتِك إلاّ فيها على الأَخَصّ. إِخْتَبِرْ ذلك بمواظَبَة واجتهاد، بتعب ودموع(1) تجدُ فيها مخرجاً لهمومِك إذ تقتني عن طريقها سلامَ الرَّبِّ يسوعَ الَّذي وحده باستطاعته أَنْ يريحَكَ وأَنْ يحوِّلَ حزنَكَ إلى فرحٍ وموتَك إلى قيامة.

(1) مع سجدات مردّداً “أيها الرب يسوع المسيح، يا ابن الله، ارحمني انا الخاطئ”.

+ أفرام مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

الصَّـلاةُ القَلْبِيَّـةُ