...

السبت

 

إنجيل اليوم يحدّثنا عن شفاء قام به السيد يوم السبت. وقد لعبت قضية حفظ السبت دورًا هامًّا جدا في حياة السيد، فمؤامرة اليهود لقتله ابتدأت عندما شفى يسوع الرجل ذا اليد اليابسة يوم السبت (متى ١٢: ٩-١٣). منذ ذلك الحين، يقول لنا الإنجيل، تشاوروا ليقتلوه لأنهم اعتبروا انه ليس فقط يخالف الشريعة كما شرحوها هم، ولكنه ينسف الكيان السياسيّ اليهوديّ.

إذا أردنا أن نفتّش عن السبب الحقيقيّ لمقتل يسوع في أذهان اليهود ورؤسائهم لوجدنا أن السبب هو أن يسوع أراد أن يمدّ حدود شعب الله الى خارج إسرائيل، أن يُدخل الأمم في العهد القائم بين الله والناس، أن يُمتّع البشر جميعًا بحلاوة الله وبركات الله، وبالنتيجة أن يكسر القوقعة التي كان اليهود مرتمين فيها، وأن يضرب الشعور بالتفوّق الذي كان لهم.

السبت كان رمزًا للانغلاق اليهودي، للعصبية اليهودية، ولهذا وقف اليهود ضد السيد هذا الموقف الصلب بسبب ما ظنّوه تجاوزًا للشريعة. جاء السيّد وأراد أن يتخطّى الشعب هذا العناد الذي كانوا فيه. أراد أن يبيّن لهم أن السبت جُعل للإنسان وان كل قانون وُضع لخدمة الانسان. لم يُخلق الإنسان للقانون. الشريعة مسَخّرة في سبيل الانسان، في سبيل نموّه ومعرفته للرب. ولهذا أتى يسوع بشيء جديد في تاريخ البشرية وهو أنّه علّمنا أن الانسان وقلبه وروحه أفضل من كل قانون، وأننا نتجاوز القانون في سبيل هذا الانسان.

الأيام التي لا يجوز فيها إقامة إكليل، الأيام التي يجب فيها الصوم، الصوم قبل المناولة، الى ما هنالك… هذه قواعد بشرية صالحة وُضعت في المجامع، ولكنها قواعد عامة. واذا كان هناك خير للإنسان في تجاوز القانون، فلا نتعلّق بالقواعد العامة: فلان يُحلّ من الصوم مثلا، وفلان يُعطى المناولة ولو كان غير صائم لأن في المناولة خيرًا وقد يكون هذا الانسان بحاجة اليها. لذلك لا نتمسّك بقانون الصوم بالنسبة لهذا الانسان في هذا الظرف المعيّن. يبقى هذا على عاتق المسؤول الذي يميّز الأوضاع.

المهم أن تكون علاقتنا مع الله علاقة الروح مع الروح، علاقة القلب الانساني مع القلب الإلهي، لا علاقة عبيد خاضعين لقانون خارجيّ. المهمّ أن نحوّل الوصية من شريعة مفروضة الى شريعة محبوبة. لا تسرق، لا تزنِ، أكرم أباك وأمّك… هذه تبتدئ كوصايا خارجية يتعلّمها الإنسان تعلّمًا ويشعر أحيانًا انها كابوس عليه لأنه يحسب الله بعيدًا وخارجًا عنه وضاربًا إيّاه. أمّا المؤمن فإذا عرف الله أبًا له وأَدرك نفسه ابنًا لله، صار يُدرك أن هذه الوصية ليست كابوسًا يُفرض وليست كسَبْت اليهود، ولكنها أمر محبوب وإشارة للخلاص.

في المسيح يسوع انتقلنا من الخوف الى الحياة، الى الرجاء، الى الثقة. ولهذا فيما نحن سالكون فترة الميلاد، جدير بنا أن لا نعتبر المسيحية شيئًا خارجًا عنّا، مجرّد طقوس وعادات اجتماعية مثل سبت اليهود. لا نرتبك لإقامة مغارة الميلاد تحت شجرة العيد، بل لنسعَ ليتحوّل قلبنا الى مغارة تستقبل المسيح. هكذا نجعل إيماننا في القلب رؤية للمسيح، التصاقا به وحبّا لكي يولد المسيح فينا ينبوع خير وعطاء ويصبح ربنا كل شيء في حياتنا. هكذا نزداد في محبة يسوع حتى يقول المسيح في نفسه: كل بيت في هذه الأبرشية بيت لي وكأني أولد فيه وفي قلوب أبنائه كل يوم.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

عن “رعيّتي”، العدد 49، 7 كانون الأوّل 2014.

 

السبت