...

الإنجيلين المعمدانيون (الكنيسة والكتاب المقدس)

الإنجيلين المعمدانيين والكنيسة وخلاص الإنسان
حذفت كافة الفئات البروتستانتية، وخاصة مايسمى الكنائس الحرة التي تفرعت عنها، كل وجود الكنيسة أو الأسس التي تقوم عليها. فتحولت من جسد المسيح الإله -الإنسان إلى كيان بشري بحت. او بالأحرى خلقوا مفهوم نسطوري للكنيسة حين جعلوا كيانين للكنيسة مستقلين أحدهما عن الآخر،واحدمنظور يتألف من الذين يؤمنون بيسوع وآخر غير منظور من الذين اتحدوا بيسوع من أحياء وأموات. الأول ممكن أن يخطئ والثاني معصوم عن الخطأ. هذا المفهوم لم يكن موجود مع نشأة البروتستانتية بل تبعها لاحقا نتيجة الانقسامات والخلافات العقائدية.متجاهلين أن الكنيسة  أكثر من جماعة بشرية تؤمن بالرب يسوع مخلصا فهي “سر عظيم” (أفسس٥: ٣٢)
“جسد المسيح” الإله-الإنسان. ذات طابع إلهي بشري لها حقيقتان، حسب العهد الجديد أولا ارتباطهاالصميمي بشخص المسيح الإله-الإنسان. ثانيا،ارتباطها بكل عمل الفداء الذي أتمه لخلاص البشر. ظهرت بعد تجسد الرب وإتمامه كل عمله الفدائي لخلاص جنس البشر. فهي “جسد المسيح” المؤمنون هم أعضاء هذا الجسد والمسيح هو الرأس
“إياه جعل رأسا فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسده ملء الذي يملأ الكل في الكل” (أفسس: ٢٢- ٢٣). هذه الوحدة بين المسيح والكنيسة تفسرها كلمات الرب حين قال “شاول شاول لماذا تضطهدني” هكذا نجد أن الكنيسة تحوي ملئ تدبير الله لخلاص البشر. تنقل بفعل الروح القدس هذا الخلاص إلى كل العالم.
يعتبر الإنجيلين تعدد الكنائس غنى للعالم، بينما هو ضلال وتهيئة لمجيء المضل. فقد وضع في المجمعين المسكونيين الأول ٣٢٥م والثاني ٣٨١م صفات جوهرية تختص بالكنيسة فهي: واحدة جامعة مقدسة رسولية” ولابد من التشديد على أن كل واحدة من هذه الصفات مرتبطة بشكل لاينفصل عن الثلاث الأخرى فالكنيسة واحدة لا كماتعتقد شيع الهرطوقيين بأن مجموعاتها المنقسمة على ذاتها كنائس يوحدها الله بشكل غير منظور. فالوحدة تكون منظورة وغير منظورة، كما أن الكنيسة مقدسة لأن رأسها الرب يسوع “إن كانت الباكورة مقدسة فكذلك العجين وإن كان الأصل مقدسا فكذلك الأغصان” (رومية ١١: ١٦). ومن هنا فالقداسة ليست كلمة مجردة بل مرتبطة بالأسرار الإلهية التي تقيمها بسري المعمودية والأفخارستيا. وكل هذه القداسة تمتلكها الكنيسةمن رأسها تنتقل تلقائيا إلى أعضائها كنسغ الشجرة الذي ينتقل للأغصان، وهي رسولية لأن رأسها الرب يسوع بناها على أساس كل تسليم الإيمان الذي أودعه رسله ووعدهم بأن يكون معهم “كل الأيام إلى انقضاءالدهر. لأنه يعلم بوضوح أنه سيكون مع خلفائهم الأساقفة الذين يحافظون على العليم السليم.

الإنجيلين المعمدانين والتقليد

جعل لوثر وأكثر منه كالفن وزفنكلي من الكتاب المقدس السلطة الوحيدة للتعليم ووسيلة لنشر أفكارهم وتعليمهم. الدليل أن لوثر أعاد ترتيب العهد الجديد، لا بل اعتبر أن الرسالة إلى العبرانيين ورسائل يهوذا ويعقوب والرؤيا لا قيمة لها لأنها تشدد على موضوع الخلاص بالأعمال. إلى جانب الإيمان جاعلا نفسه مرجعا للكتاب المقدس، ناقضا ١٥٠٠ سنة من خبرة الكنيسة، وأكثر من ذلك في ترجمته للعهد الجديد. غير لوثر في أماكن عدة معنى الآيات التي لا تناسب فكره مثلا وضع كلمة “وحده” بعد كلمة “الإيمان” في (رومية ٣: ٢٨) ليدحض ماورد في رسالة يعقوب ” ترون إذا أنه بالأعمال يتبرر الإنسان لا بالإيمان وحده”.

التقليد في الأرثوذكسية هو الاستمرارية الغير منقطعة لكل التسليم الرسولي كل ماتعلموا من الرب “وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به” (متى٢٨: ٢٠) وعلى هذا تعيش الكنيسة كل حياتها الداخلية حافظة إلى الأبد كل ما أودعه الرسل بما يختص بعقائد الإيمان والأسرار والطقوس والحياة الروحية.

المشكلة الكبرى عند المعمدانيين أنهم جزأوا وحدة الكتاب، فأخذوا الآيات التي تناسب تعاليمهم وأعطوا معنى رمزي للآيات التي لا تتفق مع مبادئهم.هناك حقيقة أساسية في موضوع الخلاص هي أن “المسيح أتى إلى هذا العالم ليبني كنيسته لا ليترك كتابا” فالكنيسة هي جسد المسيح المتأله وليس الكتاب المقدس.هي “عمود الحق ودعامته” (١تيموثاوس ٣: ١٥) وليس الكتاب المقدس.

الكنيسة تلقت إعلانات الله وحفظتها وعاشتها في تقليد شفوي قبل أن يوجد الكتاب المقدس. من هذه الإعلانات صاغت الكنيسة العهد الجديد. فالكنيسة لم تكتب العهد الجديد لتسجل عقائد إيمانها كدستور، بل كتبته في إطار عملها البشاري لتثبيت المؤمنين في الإيمان الذي سبق لهم وبشروا به شفويا وجها لوجه أي أن العهد الجديد دعوة للمؤمنين للثبات في الكنيسة التي تحوي ملئ الإعلان الإلهي وتعيشه في حياة الأسرار الليتورجية.

الكتاب المقدس جزء من بشارتها وليس العكس. الكتاب المقدس ليس سوى شاهد للمسيح ولعمله الخلاصي للجنس البشري. الكتاب المقدس يحدثنا عن المسيح. أما معرفة المسيح والإتحاد به يتحقق في الكنيسة وعبر الاشتراك الحي بأسرارها المقدس.

لإنجيلين المعمدانين والكتاب المقدس

قبل أن نبدأ نود أن نسأل هؤلاء الذين يسمو أنفسهم متجددين، إذا كانت كنيستنا قد انحرفت عن الحقيقة والبساطة في القرون الأولى للمسيحية، ويشككون في تقليدها الكنسي، فكيف يثقون هؤلاء بأن قانون العهد الجديد، أي ال٢٧ سفرا التي تكون العهد الجديد هي صحيحة وكلها ملهمة؟
علما بأن الكنيسة التي يقولون عنها إنها إنحرفت، هي ذاتها من حدد قانونية العهد الجديد لأول مرة في القرن الرابع، ومن المعروف تاريخيا أن القديس أثناسيوس الكبير هو أول من حدد كتب العهد الجديد كما نعرفها اليوم سنة ٣٦٧م،وأول مجمع كنسي ثبت هذا القانون كان مجمع قرطاجة الثالث ٣٩٧م أي بعد موت قسطنطين الكبير بسنين عديدة.

والسؤال الآخر،إذا كان الكتاب المقدس وحده يحوي الإعلان الإلهي، كمايقول المعمدانيون،فإلى ما استندت الكنيسة لكي تعيش الفترة بين العنصرة وكتابة كتب العهد الجديد؟ طالما أن أول كتب العهد الجديد بدأت تظهر أواخر القرن الأول، وكانت موزعة في كنائس مختلفة ولم تجمع وتنشر في كل الكنائس إلا نحو منتصف القرن الثاني وآخر طالما أن أثناسيوس الكبير وآباء الكنيسة الآخرين الذين حددوا كتب العهد الجديد التي كتبت بالروح القدس، لابد من أنهم يمتلكون هذا الروح عينه. فلماذا لم يقبل المعمدانيين تفسيرهم للإيمان المستقيم؟ علما أن هذا الروح وكل معرفة بالكتاب المقدس وفهم له قد استمدوه من الكنيسة فهكذا كانت الكنيسة تفهم علاقة الكتاب المقدس بالتقليد. 

هذا يعني أن البشارة الشفوية للكنيسة، أي التقليد الشفوي، ليس فقط سبقت كتابة العهد الجديد وإنما الكنيسة استندت إلى هذا التقليد الشفوي لتحدد اسفار الكتاب الملهمة من الروح وذلك بعد موت الرسل أنفسهم. ومع هذا يعتبر بعض الفئات المعمدانية أن كل ماحددته الكنيسة بعد قرونها الثلاثة أو الأربعة الأولى هو عمل بشري بحت، فأنكروا بهذا كل الحقائق التاريخية للتقليد وللكتاب المقدس معا.

يتبع…

من حلقات نشرت على صفحة “المسيح إلهي روم ارثوذكس”
من كتاب” الإيمان الأرثوذكسي والإنجيلين المعمدانين”
للأب المتوحد: غريغوريوس (اسطفان)

 

 

الإنجيلين المعمدانيون
(الكنيسة والكتاب المقدس)