...

الإنجيلين المعمدانيون (التقليدوالخلاص)

 

 

 

الإنجيلين المعمدانيين وعلاقة الكتاب بالتقليد

مانريد أن نقوله إن الكتاب المقدس وصل إلينا بشكله الحالي عبر التسليم الذي تعيشه الكنيسة. فلم يسقط من السماء بل كتبته الكنيسة كي يثبتوا بالإيمان. فالكتاب المقدس هو جزء من حياة الكنيسة وشاهد على تقليدها. “فاثبتوا إذا أيها الأخوة وتمسكوا بالتقليدات التي تعلمتموها سواء بالكلام أوبرسالتنا” (٢تسالو ٢: ٥)”فأمدحكم أيها الإخوة على أنكم تذكروني في كل شيء وتحفظون التقاليد كما سلمتها إليكم” (١كورنثوس ١١: ٢) في هاتين الآيتين يوضح بولس الرسول أنه سلم للكنيسة تقليدا لا يشمل فقط التعاليم الشفوية، إنما الرسائل المكتوبة وهما ضروريتان لإيصال البشارة الخلاصية الواحدة. هذا واضح عند بولس الرسول الذي كان يوصي الكنائس لا بالتمسك بكتاب، بل بالتمسك بما تسلموه والسلوك بحسبه وهذه بعض الشواهد (٢تسالونيكي ٢: ١٥ و ٣: ٦ و١كورنثوس ١١: ٢). طبعا يشوه البروتستانت في أمكنة عدة ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية (ترجمة فانديك). فلقد وضعوا كلمة تعاليم بدلا من تقاليد في الأمور التي تؤيد فكرة التقليد واستبقوا كلمة تقاليد في كل مايدل على التقاليد الباطلة التي ترفضها الكنيسة الأرثوذكسية.

أن الرسل قد أكدوا في أكثر من مكان على أن هناك أمور كثيرة لم يكتبوها بل أجلوها ليرتبوها مشافهة حين لقائهم وجها لوجه طبعا هذا الترتيب هو الليتورجيا. فالكتاب المقدس يشدد على الصلوات والأصوام والأسهار وعلى أسرار الكنيسة من أفخارستيا ومعمودية وغير السؤال هنا من يقول لنا كيف تتمم هذه الأسرار؟ أليس تقليد الكنيسة؟

التقليد هو معيار الحقيقة

كانت الهرطقات منذ بدء الكنيسة وحتى يومنا هذا، تظهر وتستند كلها إلى الكتاب المقدس لإثبات تعليمها المنحرف. ولا ننسى هنا أن الشيطان نفسه استخدم آيات كاملة من الكتاب المقدس ليجرب بها المسيح ويقنعه بتعليم. وكانت الكنيسة تستخدم الكتاب المقدس أيضا للدفاع عن إيمانها كما استخدم المسيح الكتاب للرد على آيات إبليس الكتابية.

هنا سؤال يطرح بما أن الكنيسة والهراطقة يستندون معا إلى الكتاب المقدس فمن الحكم بين الاثنين الذي خرج بإنتصار الكنيسة؟إنه التقليد الذي فيه كان يحفظ منذ البدء محتوى إيمان الكنيسة وخبرة حياتها الروحية. حين عرض بولس الرسول إنجيله الذي يكرز به بين الأمم على المعتبرين كان يلجأ إلى التقليد الكنسي لئلا -كما يقول- “أكون أسعى أو قد سعيت باطلا” (غلاطية ٢:٢)
هنا حقيقة يجب أن نعرفها التقليد على مر التاريخ حفظ في الكنيسة لا مع أفراد أو مجموعات ادعوا معرفة الكتاب المقدس. فلقد كان بولس الرسول يدعو المؤمنين إلى التمثل به كما هو بالمسيح هذا التمثل ليس بسيرة أخلاقية فقط إنما في الحفاظ على التقليد (١كورنثوس١١: ١-٢ و ٤: ١٦) والخضوع والطاعة والتمثل بإيمان الشيوخ “الذين عهدوا إليهم بالكنائس”

 

التقليد المعمداني

لا يستطيع البروتستانت أن ينكروا حقيقة أنهم من جهة رفضوا التقليد المقدس الذي تسلمته الكنيسة من الرسل أنفسهم، ومن جهة أخرى صنعوا لأنفسهم تقاليد خاصة يعيشون ضمنها. هذه التقاليد هي أنظمة توحد جماعاتهم، تتعلق بمفهومهم للإيمان والخلاص وبتنظيم العبادة وتحديد الصلوات وتعين القسوس والشيوخ خاصتهم، ولهم خدم وطقوس خاصة تتعلق بالمعمودية والزواج وغيرها ينبغي لأتباعهم أن يتبعوا هذه القواعد ويلتزموا بها. هذه بلا شك تقاليد، مهما كانت الأسماء التي وضعوها لها. وقد وضعوا لاهوتا مكتوبا لكل هذه الأمور، وأصدروا اعترافات إيمانية عديدة تحدد عقائدهم أصبحت قوانين إيمان ملزمة لكل من يريد اتباعهم.ومن يقرأ تاريخ لاهوتهم يجد بوضوح التغيرات المتتالية التي طرأت عليه أكان على صعيد العقائد أو الممارسات والدليل على عدم ثبات لاهوتهم يكمن في انقساماتهم التي لا تحصى.

هكذاأنكرالإنجيلين المعمدانيون والبروتستانت بعامة التقليد الذي من الرسل، وابتدعوا في الوقت ذاته تقليدهم الخاص. فيقولون إن كل من يستند إلى الكتاب المقدس قادر أن يدحض كل تعليم آخر. لكن نجد أنهم صاروا يدحضون بعضهم بعض، وكل مجموعة منهم ترفض تفسير الجماعة الأخرى للكتاب. وهذا دليل أنهم لا يملكون الروح الواحد الذي يدعون أنه هو ملهمهم في التفسير ولتبرير الاختلافات التي لا تحصى.  فيمابينهم يقولون إن الكتاب نص مفتوح وغير محدد معناه وقد ينمو فهمه بحسب الضمير المعاصر الذي يقرأ فيه. بالنسبة إلى الأرثوذكسية من أقتنى فكر المسيح يعي أنه يحتاج إلى روح واحد وهو نفسه في كل زمن كما يعي أن كل زمن معاصر هو زمن يتعاظم بالضلال زمن أقرب إلى مجيء الدجال.

من يسلم نفسه إلى ضمير زمنه يكون عاملا ضد المسيح.

هل يأتي الخلاص بالإيمان وحده؟

يشدد الإنجيلين المعمدانيون استنادا إلى الكتاب المقدس كما يدعون على أن خلاص الإنسان يتحقق “بالإيمان وحده”. لكن يا أحبتي المعمدانيين عبارة (بالإيمان وحده) لم ترد في الكتاب المقدس سوى في مكان واحد هو في رسالة يعقوب ٢: ٢٤”ترون إذا أنه بالأعمال يتبر الإنسان لا بالإيمان وحده” فمن المعيب أن نجتزئ هذه العبارة من مكان ينقض كل تعاليمكم لتدعموا صحتها عجبا وألف عجب.

طبعا كل الشيع البروتستانتية ومن ضمنهم المعمدانيين يدعمون موضوع الخلاص بالإيمان وحده. وقد أتى هذا المبدأ كرد فعل على تشديد الكاثوليكية على استحقاقات الإنسان الشخصية أمام الله وبيعهم صكوك الغفران التي بها كانت الكنيسة اللاتينية تمنح غفران الخطايا وعربون الخلاص الأبدي عبر دفع الأموال. فاستند المبدأ الإنجيلي على فكرة أن الأعمال الصالحة ليس لها أهمية في خلاص الإنسان، كالمبدأ الكالفيني في فهم آية بولس الرسول “لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم فهو عطية الله ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد” (أفسس٢: ٨). هذا مادفع لوثر أول من نادى بهذا المبدأ بعد ثورته على الكاثوليكية سنة ١٥١٧ إلى أن يعتبر أن الإيمان يحرر الإنسان من كل واجباته وأن الأعمال ليست فقط غير أساسية في عملية الخلاص، لا بل يمكن أن تؤذي أيضا لأن الافتخار الذي حذر منه الرسول ينمي في الإنسان التكبر الفريسي. لهذا بالنسبة إلى لوثر علينا أن نحذر من فضائلنا أكثر من آثامنا. فخلاص الإنسان بالنسبة إلى كل شيعهم عطية مجانية بدم المسيح لكل من يقبله ربا ومخلصا ويعتمد هذا الخلاص على ماحققه الله لا على مايحققه الإنسان فماعادت هناك حاجة إلى أية أعمال من جهة الإنسان وكأن الخلاص مثل الأوكازيون:

آمنت؟
نعم
نصيبك الجنة

وليس هذا فقط فبالنسبة لهم دم المسيح لايغسل الخطايا التي ارتكبت قبل لحظة المعمودية، إنما كل الخطايا التي ترتكب بعد الإيمان تصبح وكأنها غير موجودة. فلايتطلب خلاص الإنسان سوى إيمان مجرد بالمسيح وبعمله الخلاصي لتحصل على خلاص سحري يمسح جميع الخطاياويستشهدون بآيات عدة مثل (آمن بالرب يسوع المسيح تخلص).

 

ضلال التعليم الإنجيلي عن الخلاص بالإيمان وحده

يعتقد المعمدانيين بأن الخلاص يكون بالإيمان وحده وأن الأعمال الصالحة تأتي نتيجة لذلك الإيمان.
هذه الطريقة تشكل خطرا على الإنسان لأن دوره يكون سلبيا، إذ يتلقى خلاصه دون أن يساهم فيه بشيء، فالله بدلا من أن يحول الإنسان من الداخل يكتفي بالتغاضي عن خطاياه وأهوائه.
فالغفرانات البابوية في النفوس خطر على الإنسان كما يقول لوثر، وهذا صحيح لكن أيضا الخلاص بالإيمان وحده الذي يعطى مرة وإلى الأبد، ليس سوى وجه آخر لصكوك الغفران الكاثوليكية وهو يقتل كل حافز للتوبة في هذه النفوس فالخلاص الفوري والحتمي بالإيمان وحده يعلم الإنجيلي المعمداني ألايخافوا لا الخطيئة ولا عقابها.

يكشف لنا الكتاب المقدس بوضوح أن الإيمان المجرد لاقيمة له ولا يمكن أن يخلص الأيمان الحقيقي الذي يستمر وينمو في النفس يحتاج إلى ثلاثة أشياء رئيسية:

أولا الثبات حتى المنتهى

ثانيا الأعمال الصالحة وتطبيق وصايا المسيح بدقة

ثالثا الجهاد الروحي النسكي

هذه الثلاثة هي التي تقود الإيمان اللفظي إلى إيمان القلب الداخلي وتجعل المؤمن يختبر الإيمان كحضور حي لله في النفس والجسد “قلبي وجسمي ابتهجا بالإله الحي” (مزمور ٨٣: ٢) لابد لمسيرة النفس من أن تتحول من الأرضيات إلى السماويات وهذا يتم عبر هذه الثلاثة.

يتبع…

 

 

 

من حلقات نشرت على صفحة “المسيح إلهي روم ارثوذكس”
من كتاب” الإيمان الأرثوذكسي والإنجيلين المعمدانين”
للأب المتوحد: غريغوريوس (اسطفان)

 

 

 

 

 

 

الإنجيلين المعمدانيون
(التقليدوالخلاص)