...

الإله الطفل

 

  ماذا نقدّم للإله الطفل المولود من أجلنا بعد أن اعترف به المجوس في تقاليدهم إلها وملكا ومُعَدّا للذبح؟ ماذا نقول أكثر من ذلك وقد علّمتنا النصوص التي تُتلى علينا في صلاة السَحَر أن ما يريده المسيح منّا أقوال لاهوتية مستقيمة الرأي، اي أن نعترف به فاديًا، إلها أزليا، نورًا من نور، إلها حقا من إله حق، مولودا غير مخلوق. أقول هذه الأشياء التي تعرفونها لأن بعض الناس هنا وهناك يدّعون أنهم نشأوا على المسيحية ولا يعترفون بهذا الإيمان ولا يعيّدون لميلاد الإله المتجسّد ولا لظهوره بل لذكرى إنسان عظيم.

 الكثيرون في أوساطنا نفسها، اذا سألتموهم، عندهم أن المسيح نبيّ أو انه رجل كبير أو مُصلح اجتماعي وما إلى ذلك من تعابير. ولكننا نحن الذين نجتمع في معابده إنما نأتي معا لنعترف به أولا إلهًا ونقتبله سيّدًا، ونُقرّ بأن الله وحده يفدي الإنسان وبأن الإنسان يتخبط في جهالته وفي موته وأننا، اذا أردنا ان نخرج من هذه الدوامة، ومن اليأس ومن الموت الروحي، فليس علينا سوى أن نعترف بأن المائدة المُعدّة لنا في كل عيد نقيمه وفي كل قداس إلهيّ تأتي من الله ذاته بالنعمة لتشفينا. المسيح بشّر بها، وكانها، وسكبها على الصليب، وفجّرها بالقيامة. ما الميلاد الذي نقيمه اليوم سوى بداية للمسيرة الطيّبة التي سوف يسيرها من مغارة الى مغارة، من مغارة المولد إلى مغارة الموت: المسيح بأقمطة طفل، المسيح بعد ذلك في كفن، المسيح تضحية من البدء إلى النهاية ليظهر للناس نورًا يضيء عليهم نارًا. النور بالعربية هو من النار، ومَن تأججت فيه محبة المسيح فهو في المسيح نور العالم.

إن علمنا نحن ذلك نستخلص منه قول الرسول الذي يُقرأ علينا في رسالة الميلاد حيث قال: “لما حان ملء الزمان أَرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس لننال التبنّي” (غلاطية ٤: ٤). ومعنى ذلك أن المسيح هو كمال الأزمنة وأننا لا ننتظر زمانًا غيره، لا ننتظر مكانًا نعيش فيه غير مكان المسيح، لا ننتظر فكرًا آخر، لا ننتظر شعورًا آخر. كل الأشياء قد تحقّقت وما علينا الآن سوى أن نأخذ، سوى أن نصغي اليه، أن نتأمل في وجهه، أن نحيا من هذا الوجه وأن نوحي للآخرين به.

لماذا نستطيع أن نعيش بوجه يسوع وأن نمدّه في الناس حوالينا؟ ذلك لأننا به صرنا أبناء الله. لقد نفخ فينا الروحَ القدس وهو الذي يجعلنا نقول له “أبّا”، وبلغة مُعاصري يسوع يعني “يا بابا”. هذه كلمة الغنج، كلمة الدالة من الابن على أبيه او أمّه. نحن دخلنا اذًا في عائلة الله. بعد أن كنّا مولودين في عائلة من لحم ودم، انتقلنا من كل ما هو أرضيّ وجسديّ ومن كل علاقة في اللحم والدم إلى علاقة العبادة. والعبادة بالعربية من العبودية، اي اننا جعلنا أنفسنا عبيدًا لله. ليس أننا عبيد ولكننا استعبدنا أنفسنا لمن نحب بحيث اننا ننظر إلى الله عينه فقط ونُطيعه، وهكذا نولد من جديد، نولد من رؤية الحب الذي يرانا الله به. لو كان يرانا كما نحن بخطايانا لمُتنا. ولكنه يرانا بالرحمة ويتلقّانا في قلبه الأبوي.

لنسِـر هكذا على بركات الميلاد مولودين من جديد في عالم لا يعرف الله ولا يعرف جمال الإنجيل فنكون نورا يسير في دنيا مظلمة، ويرى الناس أعمالنا ويمجدوا أبانا الذي في السموات.

جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

عن “رعيّتي”، العدد 51، الأحد 21 كانون الأوّل 2014

الإله الطفل