...

الأسبوع العظيم

 

ا

أسبوع الآلام الذي يشرق علينا باركَنا الله به حتى نشاهد آلامه وقيامته من بين الأموات. لكن لا بدّ لنا أن نتأمل في بعض المعاني التي تنسكب علينا من هذه الأحداث العظيمة التي جاءتنا بالخلاص.

 اليوم، في أحد الشعانين، بعد ان دخل الرب إلى أورشليم، طهّر هيكلها وطرد منه الباعة والصيارفة ليكون بيتُ الله طاهرا من كل تجارة. ونحن أبناء الكنيسة المقدسة يريدنا الله غير متاجرين بالدين وغير متاجرين بالأخلاق وغير متاجرين بأولادنا. إذا لم نحافظ عليهم بحسن التربية نكون كالتجار في الهيكل. علينا ان نحافظ عليهم بطهارة صحيحة وبانتباه طيّب، الانتباه إلى ما نقول وإلى ما نفعل وإلى ما نبصر، الانتباه إلى أقوالنا حتى تكون مستقيمة صادقة.

الله يقول الحقيقة لكل إنسان، ويريدنا ان نقول الحقيقة. بهذا يتطهر هيكل النفس. المهم ان نريد ان نكون للمسيح بالحقيقة لا بالوهم، فلا نصدّق اننا له بمجرد أننا جئنا إلى الكنيسة في أسبوع الآلام. هذا صالح ولكن لا يكفي. المهم ان نكون شركاء المسيح في أخلاقنا كل يوم حتى نكون قد اشتركنا في هذا الأسبوع العظيم اشتراكا تاما.

يوم الخميس نحن مدعوون إلى مشاركة الرب عشاءه السري، فإن من أراد أن يخلُص يأكل من هذا الخبز ويشرب من هذه الكأس لأن السيد قال «من أكل من هذا الخبز وشرب من هذه الكأس يثبت فيّ وانا فيه» (يوحنا ٦: ٥٦). المهم ان يثبت المسيح فينا لا أن يعبُر عبورًا، المهم ان يثبت في النفس، في القلب، ان نكون مؤسسين عليه بحيث نستلهمه في كل وقت.

كيف نتصرف كمسيحيين ان لم يكن المسيح ثابتا فينا، أي أن ينبع المسيح من النفس إلى الفم إلى اللسان لأن اللسان يتكلّم من القلب. فبالتالي اذا أردنا ان نطهر القلب، علينا ان نضع المسيح فيه، وحتى يأتي المسيح إلى القلب نحتاج إلى صلاة دائمة نعنيها وننتبه اليها. سنأتي كثيرا إلى الكنيسة في الأسبوع القادم، لكن لا يهم ان تكون أجسادنا في الكنيسة، المهم ان تكون أرواحنا مرتبطة بالمسيح، وان نعرف انه هو المخلّص نستنجد به ليخلّصنا كما يطلب الغريق النجدة. كل واحد منا يغرق في مشكلة، في خطيئة أو يكون أمام تجربة أو إغراء بالشر أو تُداهمه أفكار شريرة. الإنسان المؤمن يتصدّى لها كلها، يصلّي ويستنجد بالمخلّص.

لذلك علينا أن ننتبه عندما نتناول جسد الرب ودمه، أن ننتبه كيف نكون شركاء المسيح. المسيح طاهر، وشريكه يجب ان يكون طاهرا. يطهّر نفسه بالتوبة، لا بد لكل منّا ان يمتحن نفسه ويُقرّ بخطيئته ويبوح بها للكاهن بالاعتراف حتى يطهّره المسيح ويرحمه. عندئذ فليتّكئ حول مائدة الرب ويتناول كأس الرب بإخلاص.

وهكذا نتدرّج من عشاء الرب إلى رؤيته معلّقا على الصليب يوم الجمعة، مرفوعا على الخشبة من أجل خلاصنا. موت المسيح يخلّصنا لأنه أدخل حياة الله فينا عندما مات على الصليب. لذلك من ينظر إلى المسيح، ويؤمن به مخلّصا، هذا ينجو من كل شر. يعانق المسيح فتذوب الخطيئة. كل من آمن به مخلّصا، يتناول حياة الله وتأتيه الحياة المقدسة ويكون مع الرب.

من يعمل هكذا يستطيع أن يشترك في قيامة السيد ويقوم من بين الأموات. ليس معنى القيامة اننا سنقوم في اليوم الأخير وحسب، القيامة اننا سنقوم الآن من الخطيئة ومن الشر ومن عاداتنا السيئة. من لا يقوم منها لا يعرف العيد ولا عنده عيد كبير.

جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

عن “رعيّتي”، العدد 14، الأحد 5 نيسان 2015

الأسبوع العظيم