...

تربيةُ الأولادِ

 

 

لم يكنِ اليهودُ ولا الوثنيُّونَ يهتموُّن كثيراً بالأولاد، كونَهم يركِّزون على الإنسان الراشِد. وحدَه يسوع أعطى الطِّفلَ أهمِّيَّةً ، قال: “إنْ لم تعودوا وتصيروا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت السَّماوات” (متى 18: 3). كيف يكون الإنسان مثل الأطفال؟ هو يدعونا إلى البساطة، إلى التواضع، لأنَّه أضاف: “من وَضَعَ نفسَهُ مثلَ الولدِ فهو الأعظمُ في ملكوت السّموات” (متى 18: 4).
رُبَّمَا يشيرُ أيضًا إلى براءةِ الأطفالِ ونقاوتِهِم إزاءَ عقلِ الفلاسفةِ ودهائِهِم. يقول في مكان آخَر: “أشكرُكَ لأنَّكَ أخفيتَ كلَّ هذه عن الحكماءِ وكشفتَها للأطفال” (متى 11: 25).
* * *
يقول الأب بورفيريوس الرَّائِي: “نَشْأَةُ الأطفالِ تبدأ من أَوانِ الحَبَلِ، فالجنين يسمعُ ويشعُرُ وهو في أحشاء أمِّه”(1). لذلك، ينبغي على الأمِّ أن تصلِّي كثيراً خلال فترة الحَمْلِ.
إِنَّ الأولادَ يتأثَّرونَ جِدًّا بحياةِ الوالِدَين في البيت. إِصلاحُ الأولادِ يتمُّ بنقاوةِ الأهل. يقول أحدُ الآباء: “صيروا قِدِّيسين، عندها لن تواجِهوا أيَّةَ مشكلةٍ مع أولادِكُم”. لا يكفي التَّعليمُ والوعظ. النَّصائِحُ والإرشادات الكثيرة تُسيءُ جدًّا. المطلوبُ أن يكون الأهل قدوةً وصلاة.

الكلامُ يُقرِّع الآذان، الصَّلاةُ تذهبُ إلى القلب. وأيضًا، الإفراطُ في العنايةِ يؤذي الأولادَ، يتركهم غيرَ ناضجين. ينبغي على الأمِّ أن تتخلَّى عن أُسلوبِ الضَّغطِ والمبالَغَةِ في الاعتناء حتَّى ينعَمَ الولدُ بشيءٍ من الحرِّيةَّ ويهتمَّ بنفسه ويتقدّم. لا يستطيع الأهلُ أن يجعلوا أولادَهُم صالِحين بالقوَّة. أُتركوا اللهَ يتكلَّمُ في نفوسِهِم.

لا يُبنَى الأولادُ بالمديح المتواصِل، لأنَّهم هكذا يعتادون على أن يمدحَهُمُ الجميع حتَّى ولو كَذَبُوا عليهم. هكذا يتعلَّمون الكذب والغرور. المغرورُ بنفسِه، حتَّى ولو تعلَّمَ، لا يمكنُ له أن يكونَ مسيحيًّا. إنْ مَدَحْتَ إنساناً باستمرارٍ تجعلُهُ مغروراً، ويقودُه الشِّرِّير بسهولة. عليك أن تقولَ له الحقيقة، طبعاً بلطف، وفي الوقت المناسِب يتقبَّلُها الآخَرُ في نفسِه ولو امتَعَضَتْ أحشاؤُه. لا تقلْ له “برافوا” (Bravo) باستمرارٍ، علِّمْهُ كيف يعيشُ ببساطةٍ وتواضعٍ. المديحُ يجعلُ الإنسانَ فارِغاً ويطرُدُ نعمةَ الله. تأتي نعمةُ الله فقط بالتَّواضُع المقدَّس.
___________________________________________
(1) راجع كتابه: الشيخ بورفيريوس الرائي (سيرة وأقوال).

أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
عن “الكرمة”، العدد 38، الأحد 16 أيلول 2012

 

 

 

تربيةُ الأولادِ