...

القديس استفانوس أول الشهداء

 

 

 

القديس استفانوس أول الشهداء هو باب الشهداء وطريق القديسين وزعيم الاستشهاد، اسمه معناه “تاج ” أو “إكليل من الزهور”، لذلك تقول عنه الأنشودة بأنه إكليل فائق البهاء، وأن الحجارة التي رُجم بها حصلت له كدرجات إلى الصعود للمجد السماوي.
كان القديس استفانوس الشهيد يهودي الجنس وتلميذاً لغمالائيل معلم الناموس كما قال البعض. وأول الشمامسة السبعة الذين أقامهم الرسل في أورشليم للاعتناء بأمر الفقراء وتوزيع الصدقات عليهم. إذ أنه في تلك الأيام، ازداد عدد المؤمنين وازدادت أعباء الرسل الإثني عشر لجهات توزيع حاجات الجسد على المحتاجين. فاختارت الجماعة سبعة رجال مشهوداً لهم بالإيمان والتقوى، ممتلئين من الروح القدس، ما يسم ح لهم القيام بعمل التوزيع اليومي على أفضل وجه ممكن.
وكان بينهم المتقدم في الشمامسة استفانوس، رجلاً مملوءاً من الإيمان والروح القدس، يصنع عجائب وآيات عظيمة في الشعب. وقد أثارت مواهبه حفيظة اليهود، فاجتمعوا يحاورونه ويجادلونه فلم يتمكنوا منه، إذ نقض بحكمة عظيمة كل اعتراضاتهم حتى لم يقدر أحد أن يقاوم الحكمة والروح الذي كان يتكلم به، كان يفيض منه نور الرب حتى أن وجهه بدا كوجه ملاك. وقد بين لهم وببراهين من الكتاب المقدس وأقوال الأنبياء شهادة على مجيء الرب يسوع : ولادته، صلبه، دفنه، قيامته . ومما قال لهم : ” أي الأنبياء لم يضطهده آباؤكم وقد قتلوا الذين سبقوا فأنبأوا بمجيء البار الذي أنتم الآن صرتم مسلميه وقاتليه…
رد استفانوس على اتهامات الحاقدين المفترين، هذا القدر من الكلام الناري كان كافياً ليشعل في اليهود غيظاً شديداً، وخاصة حين شخص استفانوس إلى السماء ورأى مجد الله فشهد قائلاً: “ها أنا أنظر السموات مفتوحة وابن الإنسان قائماً عن يمين الله. هذا عندهم كان قمة التجديف، وعنده قمة الحق وملء الروح القدس. فهجم عليه الحاضرون وأخرجوه خارجاً ورجموه حتى الموت، وهؤلاء خلعوا ثيابهم عند رجل شاب يدعى شاول. الذي تسمى بولس فيما بعد . أما استفانوس فجثا على ركبتيه وصلى من أجل راجميه وقال: أيها الرب يسوع اقبل روحي . يا رب لا ُتقم لهم هذه الخطيئة “. فكان بذلك صدى لمعلمه وهو على الصليب . وكان رقاد استفانوس، في أواخر السنة نفسها التي صلب وقام فيها الرب يسوع. فكان أول شهداء كنيسة المسيح وباكورتهم.
نتقابل مع كلمة ”شهيد“ لأول مرة بمعناها الكنسي التقليدي ”شهيد“ في قول الرسول بولس عن إستفانوس ”وحين سُفِكَ دم إستفانوس شهيدك كنت أنا واقِفًا وراضيًا بقتله“ (أع 22: 20)، لقد شهد إستفانوس للحق الإنجيلي وقدَّم بُرهانًا على الإيمان المسيحي أقوى من كل شهادة الرؤية والحِس واللمس.
فإستفانوس لم يكن ضمن التلاميذ لكن لمَّا اختير ضمن السبعة شمامسة ظهرت قوَّة شهادته في محاورته مع اليهود، وكيف كان يفحمهم حتى امتلأوا حقدًا مُفترين عليه، وفي لحظِة استشهاده ”شَخَصَ إلى السماء وهو مُمتلِئ من الروح القدس فرأى مجد الله ويسوع قائِمًا عن يمين الله“، ومن فَرَحه بهذه الرؤية الفريدة صاح للجموع الحاقِدة ”ها أنا أنظُر السموات مفتوحةً وابن الإنسان قائِمًا عن يمين الله“ (أع 7: 55 – 56)، نعم لقد شاهد المسيح في المجد فصار بعد ذلك شهيدًا.
وموت المسيح في منظور إستفانوس الشهيد، يُمثِّل ذروة آلام الأنبياء في العهد القديم ”أي الأنبياء لم يضطهدهُ آباؤُكم وقد قتلُوا الذين سبقوا فأنبأوا بمجيء البار الذي أنتم الآن صرتم مُسلِّميهِ وقاتليهِ“ (أع 7: 52)، وامتثالًا بمسيحه صلى رئيس الشمامسة إستفانوس من أجل أعدائِهِ طالِبًا لهم الصفح (أع 7: 60)، لذلك مُنِح أن يرى مجد المسيح في لحظات استشهاده الأخيرة (أع 7: 56)، وكما في رؤيا حزقيال، رأي ابن الإنسان قائِمًا عن يمين الله، فاستفانوس شهيد ونبي، وكان يُلقب ”بالشهيد الكامِل “ في تقليد الكنيسة في القرن الثاني.
وكثيرًا ما أشار الدارِسون إلى مغزى ودلالِة الآيات التي تصِف استشهاد إستفانوس، فعندما بدأ يتحدث مع المجلس صار وجهه كوجه ملاك (أع 6: 15)، وهكذا أعلن مجد الله المحفوظ للأبرار الذين سيشتركون في الحكم يوم الدينونة.
ونرى في القديس إستفانوس سِمات ثلاث حدَّدها بعض الشارحين فيما بعد تُميِّز الشُهداء وتجعل للكنيسةالحق في إطلاق هذا اللقب عليهم:-
1. الامتلاء من الإيمان والروح القدس (أع 7: 5)، فالشهادة للمسيح ليست بالعقل والذاكرة أو بالكلام إنمابالروح القدس روح الحق الذي من عند الله ينبثِق ويشهد للمسيح ويذكُر بكل أقواله وأعماله ”هو يشهدُ لي وتشهدون أنتم أيضًا“ (يو 15: 26 – 27)، لأنه لا يقدِر أحد أن يقول أنَّ يسوع رب إلاَّ بالروح القدس(1كو 12: 3)، لذلك لم يحظَ إستفانوس بمجرد رؤية لما لا يُرى بل قدَّم دليلًا على انسكاب الروح القدسالذي كان بدوره يُعلِن نهايِة الدهر بحسب التقليد.
2. الكرازة بالمسيح والمُجاهرة العلانية بالإيمان، والدعوة للتوبة ونوال نعمة المعمودية على اسم المسيح (أع 7: 37، 51).
3. تقديم الحياة بالكامِل كبرهان على صِدق الشهادة بالصلاة والصفح وطلب الغُفران وعدم التذمر ورؤيِة المجد العتيد بفرح (التجلي الرؤيوي)، تلك هي الشهادة لآلام المسيح وشَرِكَة المجد العتيد أن يُعلن.
الكرازة الإنجيلية والشهادة في بدايات المسيحية:
ارتبط تحمُّل الآلام من أجل الإيمان والكرازة في ذهن القديس بولس بعمل الشهادة للإيمان، فلكلٍ منهما نفس الدرجة من الأهمية وهما مُتحايكين معًا لا ينفصِلا عن بعضِهما البعض.
فبعد صعود السيِّد المسيح، استمرت الشهادة خلال الروح القدس الذي يشهد للمسيح (يو 15: 26)، ويتكلم على أفواه المسيحيين عندما يقفون أمام الوُلاة والملوك، تمامًا مثلما تكلم قديمًا على أفواه الأنبياء.
وقد كان المجيء الثاني، في فِكر المسيحي الأول، يتضمن استعلان المسيح كقاضي المسكونة كلها، الذي سيأتي إلى العالم في نار لهيب ويُجازي لأنَّ له النقمة على الذين لا يعرفونه، يسكُب سخطه ونقمته على الأمم التي لم تعرِفه (أر 10: 25).
تعيد الكنيسة لذكرى القديس استفانوس في ٢٧ كانون الأول، كما تعيّد كنيستنا لذكرى اكتشاف رفات القديس في ١٥ أيلول من كل عام.
طروبارية القديس:
إن هامتك تكللت بإكليل ملوكي، بواسطة الجهادات التي احتملتها من أجل المسيح الإله يا أول المجاهدين في الشهداءِ، لأنك وبخّت حماقة اليهود، فأبصرتَ مُخلصكَ عن يمين الآب. فإليهِ ابتهل على الدوام من أجل نفوسنا.
قنداق العيد:
أمس أقبل السيد بالجسد إلينا، واليوم العبد بارح الجسد، أمس ولد الملك بالجسد، واليوم العبد يُرجم بالحجارة من أجله، وبها قضى أجله، أهن به أستفانوس الإلهي أول الشهداء.