...

مثلما يخرج البرق من المشارق الاثنين العظيم

 

 

يوجد فارق بيِّن بين (جو) أحد الشعانين و (جو) الاثنين العظيم المقدس. فبينما كان أحد الشعانين يتكلم عن مجيء الملك، يعلن الاثنين العظيم عن عودة ابن الإنسان في آخر الأزمنة. وبينما كان دخول ملكنا إلى أورشليم – ودخوله إلى نفوسنا إذا أردنا – مظهراً لتواضعه ولطفه، فإن ظهوره الثاني الذي تتأمله الكنيسة في يوم الاثنين العظيم سيتسم بطابع الكارثة الفجائية العنيفة. يريد يسوع، قبل موته، أن ينبّه الناس إلى الحدث الخطير.

تنتقل الكنيسة إلى هذا المستوى الجديد في صلاة غروب الاثنين العظيم التي تقام مساء أحد الشعانين، إذ تقول: (لنبادرن أيها المؤمنون منتقلين كمن عيد إلهي إلى مثله، من سعف وأغصان إلى تكملة آلام المسيح الموقرة الخلاصية). وتلي صلاة الغروب مباشرة خدمة (الختن) وهي صلاة السَحَر خاصة بهذا اليوم، نرتل فيها، بعد مزامير السَحَر وهلليلويا، طروبارية تبدأ هكذا: (ها هوذا الختن يأتي في نصف الليل. فطوبى للعبد الذي يجده مستيقظاً، أمّا الذي يجده متغافلاً فهو غير مستحق. فانظري إذاً، يا نفسي، ألاّ تستغرقي في النوم…). وتتكلم الكاثسما عن آلام المسيح: (إن هذا اليوم الحاضر يشرق للعالم الآلام الموقرة كأنوار مخلّصة… إن هذا اليوم الحاضر يقّدم ببهاء مبادئ آلام الرب). ثم نستمع إلى تلاوة إنجيلية (متى18:21- 43) يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء. يسرد الجزء الأول كيف لعن الرب التينة وكيف يبست هذه. أمّا التفسير الروحي لهذا المقطع فهو واضح: كانت التينة تحمل الأوراق بدون ثمر، وهكذا يُلعن الإنسان الذي يتظاهر بالخصب والعمل بينما يبقى بالفعل عميقاً. يتكلم القسم الثاني من الإنجيل عمّا دار بين يسوع والكهنة في الهيكل: (- بأي سلطان تفعل هذا…؟ – وأنا أيضاً أسألكم عن كلمة واحدة، فإن قلتموها لي قلت لكم أنا أيضاً بأي سلطان أفعل هذا: معمودية يوحنا من أين كانت، أمن السماء أم من الناس ؟). وسكت الكهنة خوفاً من الخزي الذي يمكن أن يلحق بهم من جرّاء جواب إيجابي أو سلبي. أمّا القسم الثالث من الإنجيل فيحتوي على مثلين: مثل الابنين اللذين أرسلهما والدهما للعمل في الكرم، فرفض الأول ثم تاب وذهب، وقبل الآخر ولكنه لم يذهب، وينتهي بالقول: (وهكذا العشارون والزواني سيسبقونكم إلى ملكوت الله). ثم مَثَل عملة الكرم الذين يقتلون المرسلين من قبل صاحب الكرم وحتى ابنه. يقول الإنجيل أن عقابهم سيكون رهيباً، لكنه يزيد أن الحجر الذي رذله البناءون سيصبح حجر الزاوية في البناء. تشير أودية القانون مراراً إلى يوسف الذي أبغضه إخوته وباعوه، ثم حُبس: إن يوسف هو صورة للمسيح المتألم.

تقرأ في الخدم (السادسة وصلاة الغروب) التي تسبق قداس (القدسات السابق تقديسها) ثلاثة نبوءات. نسمع أولاً الآيات العشرين الأولى من سفر حزقيال النبي المتكلمة عن رؤيته الكائنات المجنحة الأربعة التي يحمل كل منها أربعة وجوه وتنطلق في هباب الروح. منذ القديم اعتبرت الكنيسة أن هذه الكائنات تمثل الإنجيليين الأربعة. ويبدو أنه تم اختيار هذا المقطع ليقرأ في هذا اليوم مع أنه لا يمت بصلة إلى الاثنين العظيم ولا إلى الأسبوع العظيم كله ليكون بداية لقراءة نبوءة حزقيال التي سوف تتابع خلال الأسبوع كله. نستمع فيما بعد إلى قراءة الإصحاح الأول من سفر الخروج الذي يتكلم عن آلام الشعب اليهودي في مصر. ومن الطبيعي أن يكون قد تم اختيار هذا المقطع لأن سفر الخروج يحكي قصة خلاص شعب إسرائيل من مصر الذي يرمز إلى (الفصح) المسيحي. ثم نسمع قراءة من بداية سفر أيوب (1:1- 12). إن آلام أيوب تجعل منه صورة أخرى عن يسوع المسيح. أمّا الإنجيل الذي يتلى في القداس  (متى3:24- 35) فيعود إلى موضوع مجيء المسيح الثاني الرهيب، المرفق بالكوارث والظلمة والحروب و(ضيق شديد لم يحصل مثله منذ إنشاء العالم حتى الآن ولن يكون). وتلخّص إحدى آيات هذه التلاوة كل تعليم الاثنين العظيم: (مثلما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب كذلك يكون مجيء ابن الإنسان).

 

الاب ليف جيللة
https://www.orthodoxonline.org/

 

 

 

 

 

مثلما يخرج البرق من المشارق

الاثنين العظيم