...

هل يجوز إعادة المعمودية؟

 

 

 

ما جاء في دستور الإيمان “وبمعموديّة واحدة لمغفرة الخطايا” يخالفه بعض المتشيّعين الذين يلزمون من ينتمون اليهم بتكرار معموديّتهم.

فهل يجوز أن يعيد المسيحيّ معموديّته؟ أو هل يجوز، أصلاً، أن يترك أحد كنيسته وينضوي إلى الغرباء؟ هذا ما سنحاول أن نجيب عنه ونعالجه في هذه العجالة.

ما نعرفه من التاريخ أنّ الكنيسة المقدّسة التي كانت تعيد معموديّة الهراطقة، كانت، في الوقت عينه، تمنع المعمّدين وغير المعمّدين من أن ينالوا المعموديّة من المبتدعين. والذين يخالفون هذا التعليم الحقّ كانوا يخسرون إيمانهم، أي كانت الكنيسة تعتبرهم من غير المؤمنين (أنظر: المجمع المسكونيّ الأوّل، ق 19؛ مجمع اللاذقيّة 343-381، ق8؛ المجمع المسكوني الثاني، ق7؛ مجمع ترولّو، ق95؛ قوانين الرسل، ق 47،68…).

وهذا أساسه ما قاله بولس في رسالته إلى كنيسة أفسس: “وهناك ربٌ واحد وإيمان واحد ومعموديّة واحدة” (4: 5). فالرسول، بقوله هذا، لم يعتبر، من دون شكّ، أنّ كلّ معموديّة هي معموديّة صحيحة. فالمعموديّة واحدة، لأنّ الربّ واحد والإيمان الواحد. فمن يؤمن بالربّ الواحد إيماناً صحيحاً، أي واحداً، يعطى معموديّة واحدة صحيحة. وهذا لا يمكن أن يعني أنّ ربّ بعض الشيع وربّنا واحد (من دون أن يعني هذا القول أنّ ثمّة أرباباً عدّة)، لأنّ إيماننا بالله الواحد يختلف عن إيمانهم، وتالياً لا قيمة، بنظرنا، للمعموديّة التي يمارسها بعض المبتدعين. إنّها باطلة، أي فارغة من مضمونها.ضمونها.

وأساسه أيضاً أنّ كتابات العهد الجديد، وبخاصّة رسائل بولس، أكدت أنّ المعموديّة هي اشتراك في حدث موت المسيح وقيامته الذي تمّ مرّة واحدة في التاريخ، ولن يتكرّر أبداً. يقول الرسول في رسالته إلى أهل رومية: “أو تجهلون أنّنا، وقد اعتمدنا جميعاً في يسوع المسيح، إنّما اعتمدنا في موته فدُفِنّا معه في موته بالمعموديّة لنحيا نحن أيضاً حياة جديدة كما أُقيم المسيح من بين الأموات بمجد الآب…” (6: 3و4). ويقول في رسالته إلى أهل كولوسي: “وذلك أنّكم دُفنتم معه (أي مع المسيح) بالمعموديّة وبها أيضاً أُقمتم معه، لأنّكم آمنتم بقدرة الله الذي أقامه من بين الأموات” (2: 12). فهذه المعموديّة الواحدة، التي هي مشاركة في موت المسيح وقيامته والتي لا تتكرّر، يحافظ عليها المؤمن بالإخلاص لله كلّ يوم، أي بالتوبة المستمرّة، “إذ ليس المراد بها (أي بالمعموديّة) إزالة أقذار الجسد، بل معاهدة الله بضمير صالح، بفضل قيامة المسيح” (1بطرس 3: 21). لو كانت المعموديّة استحماماً لإزالة “أقذار الجسد” لكانت إعادتها جائزة، ولكنها الولادة الجديدة ” من الماء والروح” (يوحنا 3: 5)، والولادة (الجديدة) لا تتكرّر، بل تستعاد بالتوبة – إذا أخطأنا الى الله – بنعمةٍ منه وبفضل رحمته.

ثمّ يمكننا أن نختلف وبعض هذه الشيع، في هذا الموضوع، على أكثر من صعيد. فبعضهم، مثلاً، لا يعترف بغير المعموديّة التي يمارسها، وبعضهم يؤخّر معموديّة الأطفال. وفي هذه الحال أو تلك نحن في صراع معهم لا يتوقّف قبل أن يعترفوا بغيّهم وانحرافهم. صراعنا قاعدته أنّ نعمة المعموديّة هي، كما قلنا، مشاركة في موت المسيح وقيامته، وهو الحدث الذي تمّمه الله مجّاناً ومن دون أن يضع، خصوصاً للأطفال الصغار، أيّ شرط (مثل الفهم والتعليم قبل المعموديّة). هذا من المعاني الجوهريّة التي لا يمكن أن يتجاوزها أحد ويبقى إيمانه مستقيماً.

بيد أنّ الانحراف لا يختزله الهراطقة والمبتدعون، بل يشارك فيه كلّ من يقبل طرحهم المنحرف. أن يسأل المؤمن، مثلاً، عن أسباب المعموديّة المبكرة، غير الذين يشكّك بها أو يعيد معموديّته لقبوله الانتماء الى جماعة منحرفة. فكلّ سؤال استفهاميّ يوجّهه المرء إلى جماعته، هو سؤال شرعيّ، والجواب عنه واجب. أمّا الذين يتجاوزون جماعتهم ويردّدون ما يقوله الغرباء أو ينفّذونه، فمشكلتهم أنّهم قبلوا رأي الغرباء، وأنكروا “رأي يسوع المسيح” الذي حفظته الكنيسة جيلاً بعد جيل.

نحن معنيّون بإخلاصنا لمعموديّتنا التي وهبنا الله إيّاها مجّاناً. فهي ثمرة حبّه الذي حرّرنا بها من كلّ خطيئة وموت. من يقبل أن يكرّر معموديّته يخرج على الإيمان الواحد، ويعلن ذاته غريباً عنه. ما هو مسموح – فقط – أن يعي المؤمن أنّه معمّد وأنْ ينخرط في حياة كنيسته انحراطاً فاعلاً، وأن يجدّد حياته بالتوبة يوماً بعد يوم. أي أن يفهم، بواقعيّة، معنى حدث موت المسيح وقيامته الذي اشترك فيه بمعموديّته. ويخلص لله أبيه، في حياته كلها، ليغدو مسيحياً حقيقياً، أي مسيحاً آخر، يرضى عنه الآب ويعلنه، في اليوم الأخير، “ابناً محبوباً”.

عن نشرة رعيتي 2002

 

 

 

هل يجوز إعادة المعمودية؟