...

مثل الفريسي والعشار

 

الصلاة المقبولة لدى الله

مع بدء التهيئة للصوم الأربعيني المقدس، تعلمنا الكنيسة المقدسة أن ّالصلاة المقبولة لدى الله تقوم على التوبة الحقيقية المقرونة بالتواضع، والأعتراف النابع عن ندامة حقيقية، فتتلو على مسامعنا من بشارة الإنجلي لوقا مثل الفريسي والعشار.

كلاهما ذهبا للصلاة، لكنّ صلاة العشار الخاطئ قُبلت، وصلاة الفريسيّ المتدين رفضت. الفريسي صلى بكبرياءً أمام الله، بعجرفةٍ تكلم، وبمدح ذاته وفضائله ترنم، فاستحق ما قال فيه القديس كيرلس الإسكندري مخاطباً:

 ” مالفائدة من الصوم مرتيين في الأسبوع، إذا كان مدعاةً للجهلِ والتفاهةِ والغطرسةِ والأثَرَةِ؟ أنتَ تُؤَدي عُشرَ كُل ما تقتني وتتباهى به، فتثير غضبَ الله بإدانتكَ الأخرين واتِّهامكَ إياهم. تتباهى رغم أنك لست مُتوجاً بمرسومِ البر المقدس، بل تَتَمَّدحُ وتَتَبجج. يقول: « لَستُ كسائرِ الناس». هدِّئ رَوعكَ، أيها الفريسيُّ.« إجعل يا رب حارساً لفمي وباباً حصيناً على شفتيَّ»[1]  تُكلمُ الله العارفَ كل شيء. انتظر قرار القاضي. فالبارع في المصارعة لا يتوج نفسه. ما من أحد يتوج نفسه، بل ينتظر قرار الحكم … أَخْفِضْ جناح عُجبكَ، لأنَّ الغطرسةِ ملعونةٌ وممقوتةٌ عند الله. إنها غريبة عن عقل مَن يخاف الله.  قال المسيح: «لا تدينوا لئلا تُدانوا، ولا تحكموا على أحد لئلا يُحكم عليكم».[2] فضعفُ الآخرين يجب ألاَّ يكون موضع ازدراء”.[3]

صلاته إذاً كانت كلها كبرياء، كلها ترنم بمزايا وعطايا بالأساس ليس منه إنما وهبها له الله، فبدلاً من أن يشكر الله بما منّ عليه، راح يتبجج وينتفخ ويمدح نفسه. لهذا صلاته كانت “كالهباء الذي تذريه الريح عن وجه الأرض“[4].

أما العشار  فوقف من بعيد،  لأنه شعر أنه غير مستحقٍ الدخولِ إلى الهيكل، لكثرة خطاياه. طأطأ رأسه إلى الأرض، قرع على صدره، وبإنسحاق قلبٍ اعترف صارخاً أن “اللهُمَّ ارحمني أنا الخاطئ”، كان همه أن يطلب الرحمة من الله إلتفت إلى نفسه وخطاياه، لم يبرر ذاته ولم يدن أحداً غير نفسه. في قرارة نفسه كان يعلم أن الله هو الديان الأوحد وهو الرحيم العطوف، ومنه كل عطية وكل بركة.

حقاً عظيمة هي فضيلة التواضع، لهذا قال عنها القديس اسحق السوري: “التواضع وشاح الألوهة لأن الكلمة المتجسد تسربله”[5]. فما أنجع دواء التوبةِ وما أجداه! كُتِبَ: «الله يصدُ المتكبرين، وينعم على المتواضعين»[6].

يا أحباء لكم القرار في طريقة رفع الصلاة لله، لكن اسمعوا العبرة اولا من فم الرب يسوع إذ قال:”من وَضع نفسه إرتفع ومن رفع نفسه إتضع” عسانا جميعا نختار طريق التوبة المتشحة بالتواضع فتكون صلاتنا مقبولة لدى الخالق كمثل صلاة العشار. آمين

الإرشمندريت د.أرسانيوس دحدل[7]

مثل الفريسيّ والعشار

 


[1] . المزمور 130: 3.

[2] . لوقا 6 :37.

[3]. Cyril of Alexandria. Commentary on the Gospel of st. Luke. Translated by R. Pyne Smith. Long Island,NY: Studion Publishers,Inc., 1983,p.481.

[4] .المزمور4:1.

[5]. القديس اسحق السرياني، نسكيات، ترجمة الأب إسحق عطالله الأثوسي، دير مار ميخائيل، 1998، ص 83.

[6]. 1 بطرس5:5، يعقوب 6:4.

[7] . إرشمندريت راهب من دير حمطورة لبنان, كاهن رعية الكاتدرائية المريمية، دكتوراة في اللاهوت من جامعة تسالونيكي اليونان، مجاز في الإعلام جامعة دمشق، دبلوم في المسيقى الكنسية البيزنطية من المعهد العالي للموسيقى الكنسية في تسالونيكي اليونان.