...

لماذا الأيقونة؟

كلمة “أيقونة” εικόνα تعني في الأصل، عند الفلاسفة، ما يُشير إلى الشَّخص الَّذي هو فوق. إِستخدمَها آباؤنا القدِّيسون للدَّلالة على صورة المسيح والعذراء والدة الإله والقدِّيسين.
مُبَرِّرُ وجود الأيقونة، أي الدَّاعي الرَّئيسيّ لتصوير الرَّبّ يسوع الإله – الإنسان، هو أنَّه تجسَّدَ وأخذ صورتَنا البشريَّة. لذلك، أمكَنَنَا أن نصوِّرَه.
يقول القدِّيس يوحنَّا الدِّمشقيِّ دِفاعاً عن الأيقونات: “السُّجودُ العِباديُّ لله هو غيرُ السُّجود الإكراميّ للقدِّيسين وأيقوناتهم”.
المسألة ليست عبادة وثنيَّة كما يدَّعي محاربو الأيقونة.
السُّجودُ ليس للخشب ولا لمادَّة الألوان، إذ يعود الإكرام للشَّخص المرسوم على الخشبة، لِ ” الأَصل” كما كان التَّعبير عند الفلاسفة.
في كلِّ الأحوال، الأيقونة تختلِفُ عن الصُّورة الفوتوغرافيَّة، إذ تَرسم الشَّخص، وبخاصَّة الوجه، وهو في المجد. تَستخدمُ ما يُعرَف بالفنّ التَّجريدي ّart abstrait))، أي بتعبير روحيّ ملامِح الوجه منزَّهَةً عن الأهواء، والعيون كأنَّها تُطِلُّ علينا من عالمٍ آخَر، عالم السَّماء. الوجه (πρόσωπο) في اليونانيَّة هو الإنسانُ كلّه، والعيون تكشف عن الشَّخص بمجمله إذ يقول الإنجيل:
“سراجُ الجسد هو العين. فإن كانت عينُك بسيطة فجسدك كلّه يكون نيِّراً، وإن كانت عينك شرِّيرة فجسدك كلّه يكون مظلِمًا” (متى 6: 22).
لذلك، يعتني كاتِب الأيقونة، بصورة خاصَّة، برسم الوجوه والعيون وما يدعوه “البَشَرَة”.
* * *
في الواقِع، نحن بشرٌ، وكبشر نحن بحاجة إلى مستَنَدٍ مادِّيٍّ حتَّى في صلاتِنا وحديثِنا مع الله، شرط أن لا نُغَالي في ذلك، فلا نصنع تماثيلَ ولا صوراً بشريَّة عاطفيَّة محضة.
الحياةُ مع الله تبدأ من الأرض، من المادَّة المخلوقة، وترتفع إلى السَّماء إلى المادَّة المؤلَّهة. يقول أحد الآباء القدِّيسين إنَّ أفضل أيقونة خلقَها الله هي وجه الإنسان، الوجه الَّذي، بفضل جهاده ونعمة الله، تَنَزَّهَ عن ملامحه البشريَّة فاستنارَ بالنُّور الإلهيّ، وأنارَ الآخَرين، ليس فقط بأعماله الصالحة بل أيضاً، وخصوصاً، لأنَّه أصبح شخصُه قامةً من نور غير مخلوق.

+ أفرام (كرياكوس)، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
عن “الكرمة”، العدد 42، الأحد 14 تشرين الأول 2012، أحد آباء المجمع المسكوني السابع.

لماذا الأيقونة؟