...

سر الثالوث المقدس بحسب إعلان العهد الجديد

 

 

في العهد الجديد يعلن سر الثالوث الإلهي بجلاء تام من خلال آيات كثيرة وواضحة يمكن تقسيمها إلى المجموعات التالية التي تظهر:
1. ثلاثة أقانيم حقيقيين معاً.
2. ألوهية كل من الأقانيم الثلاثة.
3. وحدانية جوهر الأقانيم الثلاثة.
1. ثلاثة أقانيم حقيقيين معاً.
a. في كلمات الملاك جبرائيل للعذراء مريم حين بشّرها بالحبل بيسوع نجد الإشارة الأولى للأقانيم الثلاثة معاً في العهد الجديد “الروح القدس يحل عليكِ وقوة العلي تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله” (لو1: 35).
b. تحدثنا الأناجيل الأربعة عن معمودية يسوع وتأتي أهمية هذه المعمودية بالدرجة الأولى بسبب ظهور سر الثالوث الأقدس ممثلاً بأشخاصه الثلاثة المتميّزين فيما بينهم بصورة جلية واضحة: الابن المتجسد الذي تعمّد، الروح القدس الذي ظهر بهيئة حمامة نازلاً على الابن، الآب الذي أعلن عن ذاته وعن أبوته للابن بصوته من السماء (متى3: 16، مر1: 10-11، لو3: 21-22، يو1: 33-34).
c. في خطبة يسوع الوداعية الموجهة للرسل بعد عشائه معهم نجده يحدثهم مراراً عديدة عن الآب وعن الابن وعن الروح القدس، نستشهد خاصة بهاتين الآيتين اللتين يذكر في كل منهما الأقانيم الثلاثة معاً وبصورة متميّزة. “وأما المعزي روح القدس الذي يرسله الآبباسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم” (يو14: 26) كذلك في (يو14: 16-17).
d. “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (متى28: 19). في هذه العبارة التي يوجز بها المخلّص رسالة الرسل قبل إنطلاقهم للبشارة تظهر أسماء الأقانيم الثلاثة معاً وبدون شرح إضافي مما يؤكد عل أن الرسل كانوا يعلمون عن سر الثالوث الأقدس بما فيه الكفاية من تعليم الرب يسوع وأن هذا السر هو قمة وجوهر هذا التعليم.
e. نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله الآب وشركة الروح القدس مع جميعكم (2كو13: 14) هذا ما يختم به بولس الرسول رسالته إلى أهل كورنثوس طالباً من أجلهم بركة الأقانيم الثلاثة المذكورة معاً بوضوح تام.
f. والقديس بولس يبدأ رسالته الأولى بطلبه من أجل المرسل إليهم يظهر فيها أسماء الأقانيم الإلهيين الثلاثة بتميّز جلي ” بِمقتضى عِلْمِ اللهِ الآب السَّابِقِ، فِي تَقْدِيسِ الرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. لِتُكْثَرْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ” (1بط1: 2).
2. ألوهة كل من الأقانيم الثلاثة:
• ألوهة الآب: ليس من حاجة لتقديم آيات كتابية كدليل على اعتراف الكتاب المقدس البديهي بألوهة الآب. لأن جميع من قبلوا هذا الكتاب، بما فيهم الهراطقة، أقرّ،ا بدون جدال، بهذه الحقيقة لذا من بين الآيات التي لا حصر لها، نكتفي هنا بإيراد آيتين صغيرتين تلخصان أبوة الآب للابن، كذلك أبوته للمؤمنين وألوهته لجميع البشر بمن فيهم ابنه الإلهي المتجسد كابن للبشر “مبارك أبو ربنا يسوع المسيح…” (أف1: 3). “اذهبي إلى أخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم” (يو20: 17).
• ألوهة الابن: رأينا في دروسنا السابقة أن يسوع المسيح الابن الوحيد للآب وكلمته المتجسد، هو مركز العهد الجديد كما كان مركز العهد القديم قبل أن يتجسد. إذ أن كل ظهور للثالوث الأقدس وكل إعلان عن مشيئته تم به “الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبّر” (يو1: 18).
لذا فمن البديهي أن الشواهد التي تؤكد ألوهيته كثيرة للغاية وقاطعة وأن التسبت بهذه الألوهة على بعض الهراطقة بسبب نسبة الكتاب المقدس إليه في بعض الأماكن صفات الطبيعة البشرية المخلوقة التي اتحد بها. في السطور الآتية نقدّم بعض هذه الشواهد:
a. بنوة حقيقة للآب وليست مجازية:
إن إعلان العهد القديم الجازم لبنوة الابن الحقيقية “… الرب قال لي أنت ابني أنا اليوم ولدتك” (مز2: 7) “من البطن قبل كوكب الصبح أنا ولدتك” (مز106: 13) (أش9: 6 ). يلتقي مع إعلان العهد الجديد لبنوة الابن ذاته الذي تجسد. والتي يقصد بها في العهد الجديد صدور طبيعة الابن أزلية عن طبيعة الآب ولهذا فهذه البنوة تختلف جوهرياً عن تسمية الملائكة أو البشر المؤمنين أحياناً كأبناء لله (ايوب1: 6) و (لو3: 38، مز82: 6) و (1يو3: 1) ومن يقرأ الكتاب المقدس بموضوعية يظهر له سريعاً الفرق الواضح بين البنوتين فمثلاً الرسالة إلى العبرانيين وهي تؤكد ألوهة الابن تنفي صفة البنوة الحقيقية عن الملائكة “لأنه لمن من الملائكة قط قال أنت ابني وأنا اليوم ولدتك…” (عبرانيين1: 5) كذلك تُظهر الرسالة إلى أفسس أن بنوة القديسين لله هي مجرد تبني بيسوع المسيح (أف1: 5) بينما تؤكد جميع شهادات الكتاب المقدس بنوة الرب يسوع الطبيعية والفريدة لله الآب “الروح القدس يأتي عليك وقدرة العلي تظللك، من أجل ذلك فالقدوس الذي يولد منك يدعى ابن الله” (لو1: 35).
o الآب يعترف ليسوع وحده من بين كل البشر أثناء معموديته وتجليه أنه ابنه الحبيب (متى3: 17، مر1: 19، متى17: 5، لو9: 35). المسيح ذاته يجيب بالإيجاب على سؤال رئيس الكهنة “أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله” (متى26: 64) وهو يعلم تماماً أن قيافا يقصد من طلبه هذا أن يسلمه إلى الموت بسبب اعترافه ببنوة وضعية طبيعية وليست مجازية. كما أنه لو كانت بنوة المسيح مجازية لما كان سأل الأعمى أتؤمن بابن الله؟ ولما كان أكّد له عندما سأله من هو يا سيد لأومن به: “قد رأته والذي يتكلم معك هو هو” (يو9: 35-38).
o القديس بطرس ينال مديح السيّد “طوبى لك يا سمعان بن يونا. إن لحماً ودماً لم يعلنا لك لكن أبي الذي في السموات” عندما أجاب “أنت هو المسيح ابن الله الحي” (متى16: 15-17).
o الإنجيلي يوحنا يشدّد وفي أكثر من مناسبة على فرادة بنوة الابن حين يضيف إليها حصراً كلمة “الوحيد” “لأنه هكذا أحب الله والعالم حتى يبذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يو3: 16: 18 أنظر أيضاً يو1: 14، 18، يو20: 30، 31).
b. تأكيدات مشدّدة على حقيقة ألوهته:
o إله حقيقي “ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية” (1يو5: 50).
o إله عظيم “منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد إلهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح” (تيطس2: 13).
o إله حكيم “وملك الدهور الذي لا يفنى ولا يرى الإله الحكيم وحده له الكرامة والمجد إلى دهر الدهور أمين” (1تيمو1: 7).
o إله مبارك “ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد” (رو9: 5).
o هو الله نفسه “في البدء كان الكلمة وكان الكلمة عند الله وكان الكلمة الله” (يو1: 1)
…………….”لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه” (أع20: 28).
…………….”… عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد” (1تيمو3: 16).
o ربّ الأرباب “والحمل يغلبهم لأنه ربّ الأرباب وملك الملوك” (رؤ17: 14 قارن تثنية 10: 17).
c. مساواة تامة مع الآب:
o لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضاً أن الله أبوه معادلاً نفسه بالله (يو5: 18).
o إذ كان في صورة الله لم يحسب نفسه خلسة (غنيمة) أن يكون معادلاً لله (فيليبي2: 6).
o أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل (يو5: 33).
o كل ما للآب هو لي (يو16: 15 أنظر أيضاً 17: 10).
o لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك (يو5: 19).
o لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب (يو5: 23).
d. صفات وأعمال إلهية تامة:
o حياة في ذاته “لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضاً أن تكون له حياة في ذاته” (يو5: 26).
o الأزلية “الحق الحق أقول لكم قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن” (يو8: 58) قارن كلمة “كائن” هنا مع كلمة الله لموسى حين تجلى له في العليقة “الكائن أرسلني إليكم” (خروج3: 13-14) أنظر (ميخا5: 3) “ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل”.
o السرمدية “هي تبيد وأنت تبقى وكلها كثوب تبلى وكرداء تطويها فتتغير ولكن أنت أنت وسنوك لن تفنى” (عب1: 11-12).
…………” وملك الدهور لا يفنى ولا يرى الإله الحكيم وحده له الكرامة والمجد إلى دهر الداهرين” (1تيمو1: 17).
o الحضور في كل مكان “لم يصعد أحد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء” (يو3: 13).
o الخلق والعناية الإلهية “وأنت يا رب في الأرض والسموات هي عمل يديك” (عب1: 10).
………………………”فإن فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض وما لا يرى سواء أكان عروشاً أم سلاطين أم سيادات أم رئاسات الكل به وله قد خلق. الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل” (كولو1: 16-17).
o المعرفة التامة “أما يسوع فلم يأتمنهم على نفسه لأنه كان يعرفهم جميعاً ولم يكن مفتقراً إلى شهادة أحد عن الإنسان لأنه هو نفسه كان عالماً بما في الإنسان” (يو2: 24-25).
…………….”… والمسيح المذخّر به جميع كنوز الحكمة والعلم” (كولو2: 2-3 أنظر متى 11: 27).
o السلطة الإلهية الكاملة – السلطة التشريعية “قد سمعتم أنه قيل للقدماء… أما أنا فأقول لكم” (متى5: 21: 43). واضح أن الذي قال للقدماء هو الله نفسه الذي أعطاهم الوصايا التي ذكرها يسوع (خرو20) ولذلك فسلطة يسوع الذي يكمل هذه الوصايا مساوية لسلطة الذي أعطاها.
o السلطة على مغفرة الخطايا “ولكن لكي تعلموا أن ابن البشر له سلطة على الأرض لكي يغفر الخطايا…” (لو5: 24).
o السلطة على الحياة والموت “لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحي كذلك الابن أيضاً يحي من يشاء” (يو5: 21).
o الدينونة “لأن الآب لا يدين أحداً بل أعطى كل الدينونة للابن” (يو5: 22).
• ألوهة الروح القدس: تتوضح حقيقة شخصانية الروح القدس الإلهية بشكل قاطع في العهد الجديد، فهو من جهة يحمل كل الصفات التي تميز الأشخاص-الأقانيم-، ومن جهة أخرى يحمل كل الصفات والأعمال التي تميز الله.
a. صفات لا يمكن أن تطلق إلا على شخص-أقنوم:
o يعزّي، يعلّم، يذكّر: “وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم” (يو14: 26).
o يرشد، يتلكم، يتنبأ “وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع به يتكلم به ويخبركم بأمور آتية” (يو16: 13).
o يشهد “ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي” (يو15: 26).
……..”غير أن الروح القدس يشهد في كل مدينة قائلاً ً: إنَّ وثقاً وشدائد تنتظرني…” (أع20: 23).
……..”الروح نفسه أيضاً يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله” (رو8: 16).
o يقيم أساقفة “احترزوا إذن لأنفسكم وعلى جميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة…” (أع20: 28).
o يشفع “ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنّات لا ينطق بها” (رو8: 26).
b. صفات وأعمال إلهية تامة:
o هو الله ذاته “لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس أنت لم تكذب على الناس بل على الله” (أع5: 3-4).
………….. في الرسالة إلى أهل كورنثوس يقول القديس بولس: “وأنواع أعمال موجودة ولكن الله واحد الذي يعمل الكل في الكل” (1كو12: 6). ثم يعدد هذه الأعمال ويختمها يقوله: “ولكن هذه كلها يعملها الروح القدس بعينه قاسماً لكل واحد كما يشاء” (اكو12: 11) مما يدل على أن الروح القدس بنظر بولس هو الله. لزيادة التأكيد أنظر العدد 28 في نفس الإصحاح.
o الحضور في كل مكان “وأنتم فلستم بالجسد بل فيالروح إن كان روح الله ساكن فيكم” (رو8: 9، 11: 14).
……………………..”أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله” (اكو6: 19).
o الولادة الروحية والخلق “إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله” (يو3: 5).
………………………..”روح الله صنعني ونسمة القدير أحيتني” (أيوب 3: 5).”
………………………..”ترسل روحك فيخلقون وتجدد وجه الأرض” (103: 30).
o المعرفة التامة “أما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء…” (يو14: 26).
………………”هكذا أيضاً أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله” (1كو2: 11).
o الكرامة الإلهية التامة “الحق أقول لكم أن جميع الخطايا تُغفر لبني البشر والتجاديف التي يجدفونها، ولكن من جدّف على الروح القدس فليس له مغفرة إلى الأبد بل هو مستوجب دينونة أبدية” (مر1: 28-29) و (متى12: 31-32).
o القدرة على كل شيء “فإنه لواحد يعطى بالروح كلام حكمة والآخر كلام علم بحسب الروح الواحد… ولأخر عمل قوات ولأخر نبوة ولآخر تمييز الأرواح ولأخر أنواع ألسنة ولآخر ترجمة ألسنة. ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء” (1كو12: 8-11).
o السلطة على الحياة والموت “وإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكناً فيكم فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائتة أيضاً بروحه الساكن فيكم” (رو8: 44).
3. وحدانية جوهر الأقانيم الثلاثة:
سر الله الأبعد عن الإدراك ليس في التثليث بمقدار ما هو في وحدانية جوهر الأقانيم الثلاثة. الله واحد. وهذه الوحدة حقيقة مطلقة لا تقبل انقساماً أو انفصالاً. ولذلك مع أن كلاًّ من الأقانيم الثلاثة هو إله حق إلا أنه بسبب وحدة الجوهر التي ينتج عنها: وحدة الطبيعة وحدة الصفات وحدة الإرادة، وحدة الأعمال، فالأقانيم الثلاثة معاً هم إله واحد بكل ما في هذه الكلمة من معنى.
a. وحدانية جوهر الابن مع الآب:
إن بنوة الابن الطبيعية للآب ليست بمفهوم الكنيسة سوى وحدة الطبيعة الإلهية عند الآب والابن أو تماثل جوهرهما “نور من نور، إله حق من إله حق” وهو مفهوم الكتاب المقدس ذاته “أنا والآب واحد” (يو10: 30)، “الذي رآني فقد رأى الآب” (يو14: 9) هاتان الآيتان مع كثير غيرهما (راجع يو5: 18، 10: 38، 14: 10-11، 16: 15، 17: 10 الخ…) نطق بها يسوع لإثبات وحدانية جوهره مع الآب وهي ذات معنى حقيقي لا مجازي كما يدّعي البعض، والدليل أنه حين قال العبارة الأولى لم ينكر عليهم هذا التفسير بل ثبته إذ قال: “إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي ولكن إن كنت أعمل فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فيّ وأنا فيه” (يو10: 37-38).
إذن ما رأيناه أيضاً من تشديد على ألوهة الابن في العهد الجديد لا يعني بالنتيجة سوى أن اللاهوت أو الجوهر ذاته الذي للآب، وهو ما يتوضح كذلك من عبارات كتبها الرسل بمناسبات مختلفة عن الرب يسوع “فإن فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً” (كولو2: 9)، “الذي وهو بهاء مجد ورسم جوهره” (عبرانيين1: 3)، “صورة الله غير المنظور” (كولو2: 5) (فيلبي2: 6) الخ…
b. وحدانية جوهر الروح القدس مع الآب:
إن ما ينطبق على الابن في علاقته مع الآب ينطبق على الروح القدس في علاقته مع الآب ذاته. مع الفارق أن الابن يولد من الآب بينما الروح القدس ينبثق منه (يو16: 26) هذا ما تثبته بصورة خاصة العبارة التالية للرسول بولس: “لأن مَنْ مِنَ الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه. هكذا أيضاً أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله” (اكو2: 11) والتي تشدّد على أن الروح القدس وحده عنده معرفة كاملة عن الله بينما نجد في الأناجيل أنه “ليس أحد يعرف الابن إلا الآب، ولا أحد يعرف الآب إلا الابن” (متى11: 27/ لو10: 22، يو1: 18، 6: 46، 10: 15). إذاً فالروح القدس كالابن مساوٍ للآب أو عنده الجوهر الإلهي الواحد، وخصوصاً أن كلمة “روح الله” نفسها تدل على أنه ليس من العدم بل هو من جوهر الله ومستقر فيه.
c. وحدانية جوهر الأقانيم الثلاثة معاً:
نجد ذلك في إشارة الرسل إلى رؤيا أشعياء النبي التي تحدثنا عنها سابقاً. أشعياء يسمي السيد الجالس على العرش رب الجنود (اش6: 5) بينما يوحنا الإنجيلي يعلن أن أشعياء قد رأى مجد الابن (يو12: 41) أمّا بولس الرسول فيقول أن من كلّم أشعياء النبي كان الروح القدس (أع28: 25) هذا كله لا يمكن تفسيره إلا بأن من رآه أشعياء كان مجد الإله الواحد المثلث الأقانيم.
كما أن عبارة “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (متى28: 19) والتي أشرنا إليها سابقاً تبرز أيضاً حقيقة الجوهر الإلهي الواحد، لأن الرب يسوع عندما ذكر الأقانيم الثلاثة المتميزين فيما بينهم لم يقل عمدوهم بأسماء الآب والابن والروح القدس كثلاثة آلهة منفصلين بل استعمل تعبير باسم أي بقوة أو سلطان الله الوحيد الثلاثي الأقانيم الذي عنده الطبيعة الإلهية الواحدة.
d. وحدانية قوى وأعمال الأقانيم الثلاثة:
.إن ما يؤكد كذلك وحدانية جوهر الأقانيم الثلاثة، هو الإعلان الإلهي لوحدة قوى (مواهب) وأعمال هذا الجوهر الواحد وهو ما يلخصه بولس الرسول بقوله “فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد وأنواع خدم موجودة ولكن الرب واحد وأنواع أعمال موجودة ولكن الله واحد الذي يعمل الكل في الكل” (1كو12: 4: 6)
الاب الدكتور: جورج عطية

 

 

 

سر الثالوث المقدس بحسب إعلان العهد الجديد