...

قل لي مَن تُعاشر أقُل لك من أنت

أمامي أيقونة للسيد يحتضن الإنجيل مفتوحًا، والمسيح طالع من جذع شجرة، وحوله من الجانبين الرسل الاثنا عشر، والإنجيل مفتوح على الصفحة التي عليها: “أنا الكرمة وأنتم الأغصان”. والشجرة كرمة اذ تتدلّى منها عناقيد، والمسيح خمر الوجود. وإن كنت لا تشربها هنا، فأنت شاربها في الآخرة لأن المسيح هو الفرح.

 في هذه الأيقونة العناقيد التي تنزل من أغصانها، وان كل عنقود ينتهي بصورة واحدٍ من الاثني عشر، بمعنى اننا نحن الذين نتشبّعه فرح للعالم، وليس من سكر إلاّ هذا.

يبقى المسيح في أيقونتي أعظم وجه وأعظم قامة، ولا تبقى قامات الرسل إلا مزيّنة له. دقّقت في الكتاب المطروح على قامته، وإذ به يستهلّ بقول المخلّص: “أنا الكرمة”. كل كيانك أنت أنك من الكرمة.

الجذع جذعًا ينتهي عنده. التلاميذ أغصان، والأغصان شيء مهم. إنها تأخذنا إلى الجذع فننتهي عنده، ولولاه لما كان نسغ.

تبقى الأيقونة أمامي فيما أكتب. لا أستطيع ان أزيد عليها شيئًا. هي تتكلم. إن كنت قرأت أفلاطون، ترى أن الأيقونة عنده صورة عن الفكرة. وفكرة الأشياء صورتها، وفكرة الأفكار عنده الله، اذ كان يعرف في تنبوئه الفلسفي أن الكلمة كان عند الله وانه كان إلهًا.

لا تزال أيقونة المخلّص على مكتبي. كيف أكتب إن أعدتها إلى مكانها؟ أنت لا تستطيع أن تكتب إلاّ من أيقونة أمامك أو في ذهنك إذا كنت كاتبًا إلهيًا، أي آتيًا من الإلهام العُلويّ. كل شيء بعد هذا تركيب عقل قبل أن يخطفنا الله إليه. أنت تُصوّر فقط ما أُنزل عليك في العشق الإلهي. غير هذا من البشرة. لا تأخذ القلم إلاّ عند إلهام لأنّ الكتابة إلهية. إن عرفت نفسك غير آتٍ من فوق، لا تسوغ لك الكتابة. احذر القلم إن أحسست انك لا تزال من هذه الدنيا. إن لم تكتب كلمة الله لا يعدّك القديسون كاتبًا.

هل أنت تقرأ الإنجيل قراءة أم أنت حاضنه؟ هل أنت ابتلعته أي صرته أم صارك؟ يهم المسيح أولا ان تصير أنت إنجيلا أي مكتوبًا في هذا العالم. هذا يعني أن يصير فكرك من فكره بل أكثر، أي ان يصبح الرب يسوع كل فكرك، واذا كان الفكر هو الكيان ان يصبح المسيح متّحدا بك حتى الوحدة.

المسيح يريد كلا منا أن يصير صورته، والصورة عند أفلاطون تشارك المثال الذي أُخذت عنه. لا أعرف أحدا يطمح ان يصير مثل الله وهذا ما طلبه الله. هو لا يقبلك دونه. لا أعرف لماذا يقبل الإنسان ان يكون دونيا. هو لا يريدك وضيعًا. يقبلك متواضعًا. إن لم تطمح ان تصير مثل المسيح، لا تكون على شيء. هو لا يريدك دونه لأنه يحبك، أي طامعا في أن تصير على قامته.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

عن نشرة “رعيّتي”، العدد 35، الأحد 31 آب 2014