...

أحد استقامة الرأي

 

الأرثوذكسيّة تعني استقامة الرأي، أو الرأي الممجَّد. والاستقامة، لغةً، تعني الاعتدال والاستواء، الإنصاف والعدل والنَّزاهة، الصِّدق والأمانة، والهدى. هي صفات إلهيّة. لذلك، الرأي المستقيم يُمجَّد لأنّه يوصل إلى التشبّه بالله.

طبعًا، يَكشف الرأي المستقيم في الإيمان غاية الحياة والوجود، ويَهدي من طلب الهُدى سَواءَ السّبيل. فالرأي المستقيم هو في آنٍ كلمة وطريق. الرأي المستقيم هو “الكلمة” (O Logos) الّذي هو “الطّريق” (O Odos). لذلك، “الْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا” (يوحنّا 1: 14).

هذا هو سرُّ أحد الأرثوذكسيّة الّذي نعيّد له اليوم: أنّ الله شابَهَنَا لنعرفه في ما هو منظور، فينقلنا إلى معاينة اللامنظور. “الحقيقة” لا منظورة بالحواسّ الجسديّة، هذه الحواسّ تتلمّس بالعقل ما يخضع للعقل، ومن هذا التّلمّس تُدْرِك عجز العقل أمام سرّ “الكينونة” المطلقة، سرُّ “الكائن” (أنظر خروج 3: 14).
* * *
من لا يقبل سرّ التّجسُّد ليس من الله، بل هو مخدوع من إبليس: “بِهذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ، فَلَيْسَ مِنَ اللهِ…” (1 يوحنا 4: 2 – 6).

أعطانا الله أن نراه في ابنه المتجسِّد، والّذي كان دائم الظّهور في العهد القديم على صورة “ملاك الرّبّ” (أنظر مثلًا: خروج 3). الله تجسَّد ليجدِّد فينا صورته الّتي فَسُدت بالمعصية وتشوّهت. أتى ليهبنا أن نصير على مثاله، من خلال الاتّحاد به في المعموديّة والميرون والمناولة المقدّسة والأسرار.

الأيقونة الأولى النّقيّة للمسيح ابن الله المتجسِّد هي آدم ما قبل السّقوط. كلّ معمَّدٍ صار بتنقية الولادة الجديدة من رحم الكنيسة أيقونةً متجدِّدة لابن الله.

توضع الأيقونات في الكنيسة لنلج من خلالها إلى سرِّ الحضرة الإلهيّة في الابن المتجسّد بنعمة الروح المستقرّ في الّذين اتّخذهم مسكنًا له في المعموديّة. نلج إلى سرّ الشّهادة للأرثوذكسيّة من خلال سرّ تصوُّر ابن الله عبر أيقونته وأيقونة والدته بالجسد وأيقونات قدّيسيه في المسكونة، عبرنا نحن الّذين نتّحد به في الأسرار.

الأرثوذكسيّة هي المسيح، والمسيح في العالم حاضر في كنيسته بالروح، وكنيسته هي هيكله (أنظر: 1كورنثوس 3: 16) الذّي هو نحن.

فهل أيقونة المسيح اليوم تكشف استقامة هذا الرأي الذّي يجب أن يُظهر مجد الله في العالم؟!…

عن “الكرمة”، العدد 10،  الأحد 9 آذار 2014

أحد استقامة الرأي