...

هــــــــــــوذا الإنســـــــــــــــان (الـصَّـلـيـب)

 

 

“بعد أن ضَفَرَ العسكر إكليلًا من شوك ووضعوه على رأسه وأَلْبَسُوه ثوب أُرْجُوَان، … خرج يسوع خارجًا وهو حامل إكليل الشَّوك وثوب الأُرجوان. فقال لهم بيلاطس: ‘هوذا الإنسان” (يو 19: 5)، فلمَّا رآه رؤساء الكهنة والخدَّام صرخوا قائلين: “اصلبه اصلبه”  (يوحنَّا 19: 2-6).
يقول القدّيس يوحنَّا الذّهبيّ الفم في القدّاس الإلهيّ، في أفشين التّقدمة الأنافورا: “في اللّيلة الّتي فيها أُسْلِمَ والأَوْلَى أنَّه أَسْلَمَ ذاتَه من أجل حياة العالم، بعد أن أخذ خبزًا بيَدَيْهِ المقدَّسَتَيْن الطَّاهرَتَيْنِ البريئَتَيْنِ من العيب، وشكر وبارك وقدّس وكسر…”؛ وفي رسالة بطرس الثَّانية: “الَّذي حَمَلَ هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة (الصَّليب) لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبِرّ” (2بطرس 2: 24).
إنّ علامة (وعمل) كَسْرِ الخبز، جسد المسيح، هي الّتي تُشير، أكثر من غيرها، إلى أنّ الرّبّ يسوع الإله-الإنسان أَسْلَمَ ذاته من أجل حياة العالم، وتمجَّدَ بصعوده على الصَّليب.

وفي آخر لحظة من حياته قال: “لقد تمّ ونكّس رأسه وأَسْلَمَ الرُّوح” (يوحنَّا 19: 30)؛ هذا هو عمل الله. يقول القدّيس إيريناوس: “إنّ عمل الله هو في صنع إنـسان جديد”، ويقول المزمور الإلهيّ:

“مَنْ هُوَ الإنسانُ الَّذي تذكره؟!” (مزمور 8: 4)، “هوذا الإنسان!”.

يقول الله في سفر التّكوين: “لنصنع الإنسان على صورتنا ومثالنا” (تك 1: 26). المسيح هو الإنسان الأوَّل الحقيقيّ في التّاريخ، “صورة الله غير المنظور” (كولوسي 1: 15).

هوذا إنسانُ اليوم المتأَلِّم المُعَذَّب بشتّى التّعذيبات الجسديّة النّفسيّة والرّوحيّة، يفتِّش عن الحقيقة، يفتِّش عن الخلاص من الحروب، من الأمراض، من الفراغ… خلاصه في المسيح المصلوب والغالِب في آنٍ واحِدٍ مَحَبَّةً بالآخَرَين.

“هكذا أحبَّ الله العالم حتَّى بَذَلَ ابنه الوحيد لكي لا يهلك من يؤمن به بل ينال الحياة الأبديّة” (يوحنَّا 3: 16).

هنا مشروع الله في خَلْقِ إنسانٍ جديد على صورته ومثاله “قديم”، “هوذا الإنسان” (الجديد).

في يوم الجمعة العظيم نرتِّل: “إنّ موسى العظيم قد سَبَقَ فرَسَمَ هذا اليوم سِرِّيًّا بقوله: … هذا هو يوم السُّكُون والرَّاحَة الَّذي فيه اسْتَرَاحَ ابنُ اللهِ الوَحِيد من كلِّ أعمالِهِ، لمَّا سَــبَـتَ بالجسد بواسطة سِرِّ التَّدبيرِ الصائرِ بالموت، وعاد أيضًا بواسطة القيامة إلى ما كان ومنحنا حياة أبديَّةً بما أنّه صالِحٌ وحدَه ومُحِبٌّ (للإنسان)للبشر”.
يلخِّصُ القدّيس مكسيموس المعترف مشروع خلق الإنسان الجديد بقوله: “إنّ المسيح، كإنسان أَكْمَلَ وأَتَمَّ بنفسه ما سبق أن بدأه بنفسه كإله في الخلق الأوّل”.

أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

عن “الكرمة”، العدد 37، الأحد 13 أيلول 2015

 

 

 

 

 

 

هــــــــــــوذا الإنســـــــــــــــان
(الـصَّـلـيـب)