...

بركة صغيرة تجلب البَركات

بركة صغيرة تجلب البَركات

بركة صغيرة تجلب البَركات

تأمّل في المقطع ٢ كورنثوس ٩: ١-١٥

على مثال المعلم اهتمّ الرسول بولس بالفقراء. فكما كان الرب يسوع يجمع تبرعات في صندوق الفقراء، أخذ الرسول بولس على عاتقه مهمّة جمع هبات من الكنائس التي بشّرها، فجال عليها معلّمًا الروحيّات، ومشجّعًا المؤمنين، في الوقت عينه، على إظهار تعاضدهم مع إخوتهم في اليهوديّة، أولئك الذين عانوا جدًّا من المجاعة العظيمة التي ضربت المسكونة (أعمال الرسل ١١: ٢٨-٢٩). أشار الرسول بولس على المؤمنين أن يضعوا جانبًا كلّ يوم أحدٍ ما تيسّر لهم من المال، حتى إذا حضر إليهم لا يضيع الوقت في جمع الهبات، بل يكتفي باختيار من سيحمل رسالة منه مع التبرعات إلى مسيحيّي أورشليم (١ كور ١٦: ١-٢).

علّمهم الرسول بولس أن يحسبوا تبرّعهم بركةً لهم، وألا يسود هوى البخل عليهم (٢ كور ٩:٥). يُدعى عملُهم الخيّر بركةً، لأنّه سيجلب لهم بركات الله. لذا، ينصحهم الرسول بأن يُعطوا كمن يزرع بالبركة لا بالشحّ، فهكذا سيحصدون بالبركة أيضًا، أللهمّ إن أعطوا بسرورٍ ومن كلّ قلبهم، “لأنّ الله يحبّ المعطي المسرور” (٢ كور ٩: ٧). ومن يطيع صوت الله الذي يحثّه على البذل من أجل الإخوة سيحصد كلّ نعمة. فالله قادر أن يُفيض نعمه بسخاء على الذين يُسَرّ بهم، لكي يكونوا مكتفين، ويتمكّنوا من أن يُحسنوا كما أحسن الله إليهم (٢ كور ٩: ٨).

إنّ الله، الذي يعطي بذارًا للزارع، هو ينمّي ويكثر غلّة برّ المحسنين. وما من بركة أسمى من هذه: أن يقدّم المرء بركة واحدة فيحصد بركات كثيرة (الآية ١٠). هكذا تولّد طاعةُ المسيح الإله غنىً مضاعفًا، على صعيد خيرات الأرض وعلى صعيد خيرات السماء على حدٍّ سواء (آية ١١أ). والغنى الذي يأتي بالبركة لا بدّ من أن يجعل متلقف البركة سخيًّا جدًّا (آية ١١ب)، فيزداد الشكر لله.

فهدف العطاء لا ينحصر في سدّ إعواز “القدّيسين” المحتاجين فقط، بل إنّه ينجح أيضًا في زيادة الشكر لله (آية ١٢). أنت تطيع الله عندما تعطي أخاك المحتاج، فتفرج عنه فيفرح، ثمّ يشكر الله على طاعة اعترافك بالإنجيل، أي على إيمانك العامل بالمحبّة (غل ٥: ٦). إنّك في عطائك تُقرض الله والقريب. فهل يدعك الله لتكون أكرم منه؟ لهذا مغبوطٌ هو العطاء!

هكذا كان يعلّم الرسول بولس تلاميذه وجميع المؤمنين في الكنائس التي بشّرها (راجع ١ كور ١٦: ١). نحن هنا أمام موضوع كان يكرّره الرسول بولس في كلّ مكان. وفي كلامه الوجدانيّ الذي خاطب به قسوس كنيسة أفسس في ميليتس، يخبرنا هو نفسه عن اجتهاده في أن يُظهر لهم بعمله وتعبه الشخصيّ كم ينبغي أن يتعبوا ويُضحّوا لمساعدة الضعفاء والفقراء، مقتديًا بكلام المعلّم، ربّنا يسوع المسيح، الذي قال: “مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ” (أعمال الرسل ٢٠: ٣٥). 

الأرشمندريت يعقوب

رئيس دير سيّدة البلمند البطريركيّ

   http://www.jkhalil.com/index.php/speeches/428-2015-10-03-11-12-27

 

 

 

 

 

 

بركة صغيرة تجلب البَركات