...

التــواضـــع

 

 

“كلُّ من يرفعُ نفسَه يتَّضِع ومن يضعُ نفسَه يرتفِع” (لوقا 18: 14).

 

ضرب يسوع مثل الفرّيسي والعشّار “لقومٍ واثقين بأنفسهم أنَّهم أبرار ويحتقرون الآخَرين” (لوقا 18: 9).
الفرّيسي يتكبّر على الآخَرين متسلِّحاً بالشَّريعة “لست مثل باقي الناس الخاطئين…”، بينما يقرع العشار على صدره ويقول “اللّهم ارحمني أنا الخاطئ”.
أهمِّيَّة العشّار تكمُنُ، هنا، في أنَّه يعترِفُ بخطاياه. هذا ما يذكِّرنا بقول القدّيس اسحق السرياني: “كلُّ من يعترِفُ بخطاياه أهمُّ ممَّن يقيمُ الموتى”، وأيضًا يقول: “من يعترف بخطيئته هو كمن ينتقل من الموت إلى الحياة”.
الإعترافُ هو بدايةُ التَّوبَة. لا بدَّ للإنسان، لكلِّ إنسان أن يعرفَ نفسَه، أن يعِيَ ضُعفاتِه كما يَعِيَ، أيضًا، مواهبَهُ الَّتي من الله.
خطيئة الفرّيسي المتكبّر، المتعالي على الآخَرين، أنّه لم ينظُر إلى خطاياه الشخصية. صلاتُه لم تقترِن بالتواضع، العشَّار بضعفاتِه يعي ذاته، يعي نواقصَهُ ويتواضعُ فيقتربُ من الله، من الرَّبِّ يسوع الَّذي قال: “تعلّموا منّي فإنِّي وديعٌ ومتواضعُ القلب فتجدوا راحةً لنفوسِكم” (متى 11: 29).

* * *

المتواضعُ يعتبرُ أنَّه لا شيء، هذا أمام الله وأمام الآخَرين، إذ يعتبر أيضًا الآخَرين أفضل منه. في هذا ،
الموقف يكتسِبُ نعمةً والنعمة كمثل شعاعٍ يذهبُ إلى الآخَر، هو عطاء إلهيٌّ ينزِلُ علينا من فوق ويتَّخذُنا قناةً يعبُر من خلالها إلى الآخَرين.
لذا، كلُّ من يفتخر (لفضيلة ما لديه) فليفتخِر بالرّبّ.
لذا، أفضلُ الأدعية تكمُن في هذه الجملة:
“يا يسوع ارحمني أنا الخاطئ”.

هذه الصلاة مرادفة لصلاة العشّار، وهي في قلب الروحانيَّة الأرثوذكسيَّة، في مسيرة التوبة أي العودة إلى الله.
ردِّدْهَا يا أخي على لسانِك، بفكرِك وقلبِك، في كلِّ عملٍ تقومُ به، في كلِّ وقتٍ ومكانٍ قدرَ الـمُستَطَاع، تجدُ راحةً لنفسك.
هنا تبدأُ مسيرةُ الصَّوم، والصَّومُ الكامِلُ في الحياة هو أن نمتنِع عن كلِّ شيءٍ لا يخصُّ الله. لذا، نحن بحاجة إلى قوّة من العَلِيِّ، نحن بحاجةٍ لرحمةِ الله، لمحبَّتِه الواسِعَة ،كلُّ ذلك على رجاء اقتبالِ النُّورِ الإلهيّ، نور القيامة.

 

 

افرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

عن “الكرمة”، العدد 8، الأحد 24 شباط 2013

 

 

التــواضـــع