...

أحد الأعمى

 

 

يوحنـا الإنجيـلـي كـتـب هـذا الـفصـل الطـويـل عـن الـمـولـود أعـمـى لـيـس فـقـط لـلحـديـث عـن أُعـجـوبة صنعـهـا يسـوع ولـكـن لـيـقـول مـن خـلالهـا انـه هـو الـذي يعـطـي النـور وان عـدم الاعـتـراف بالمسـيـح هـو الـعـمـى بـعـيـنـه. مـنـذ مـطـلـع الإنـجـيـل الـرابـع الذي منه أُخذ هذا الفصل يـقـول الـرسـول: “النـور يضـيء فـي الظـلـمـة والظـلـمـة لـم تُـدركـه… كـان النـور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيًا الى العالم”. كل إنـجـيـل يـوحـنـا مـلـيء بـالحـديـث عـن النـور.

كـان الاعـتـقـاد السائـد عنـد الـيهـود أن الانسان تـصـيـبـه مصـيـبـة عـقـابًـا لـه على خطـيئـة. يـردّ الـسـيـد بـقـولـه: “لا هـذا أخـطـأ ولا أبواه”. لا يرث الإنسـان نـتـائـج الـمـعـاصي الـتـي ارتكبـهـا والـداه. يـتـجـاوز الـسـيـد هـذا الـنـقـاش بشـفـائـه الـمـولـود أعـمـى. “عــاد بـصـيـرًا”. فـي نـهـايـة الحـديـث عـن الشـفـاء يصبح هذا الرجـل بصيـرًا مـن الـنـاحـيـة الـروحـيـة إذ يـؤمـن بـيـسـوع. الشفـاء الجـسـدي كـان طريـقـًا للـشـفـاء الـروحـي إذ قـال لـيـسـوع: “آمـنـتُ يـا رب، وسـجـد لـه”.

يُـدخل الإنجيليّ بمناسبة هذه الأعجوبة نقاشًا لاهوتيا بين يسوع والفريسيين لأن الأعجوبة تمّت يوم سبت وهُم أَدخلوا على ناموس موسى أن الأعجوبة عملٌ ولا يجوز العمل يوم سبت، وكانوا قد سمعوا قول المعلّم: “ما كان الإنسانُ للسبت بل السبتُ للإنسان”.
قضية السبت كما يفسّرها الفريسيون كانت من الأسباب الرئيسية لدفع الفريسيين إلى أن يحرّضوا الشعب لقتل السيد. الرب يسوع كان ضحيّة هذا التفسير الخاطئ للسبت، ضحية النظام المستبدّ الذي وضعه البشر وما جاء من موسى.

هناك جزء من النقـاش، هذا الذي جـرى بين أهـل هـذا الشـاب والفـريسيـيـن. هل كان أعمى أَم لم يكن أعمى. رفضـوا رفـضـًا كـليـا واقعةً وهو أن الأعمى شُفي أي انهم دخلـوا في الظـلمـة مـع أنـهـم رأوا الحـقـيقـة ولكنهم لم يريدوا أن يعتـرفوا بها لأنهم لو فعـلوا هذا لأَقـرّوا أن يسوع على الأقـل نبيّ او هو المسيح المُرتجى. كانوا رافضين أن يُقرّوا بهذا لئلا يفقدوا نفوذهم في الشعب اليهودي ويضيع مذهب الفريسيين الذي أدخلوه على العقيدة اليهـودية الصافية. يجب ألا يكون هذا الغلام أعمى. يجب أن يُصرّوا على هذا حتى يُنقذوا أنفسهم.
أمام الحقيقة ولو بدت لنا حقيقة يمكننا أحيانًا أن نهرب منها لأنها إسلام النفس الى المخلّص اي تـوبـة كاملـة عن خطايانـا. أنت إمّا تكون مع يسوع اي مع كـلّ ما علّمـه ونادى بـه او تكـون مع ظـلام قلبك وظلام خطاياك.

إنجيل الأعمى هو الخيار بين أن نكون كليا للرب أو لا نكون. إن كنا جزئيًا له فهذا لا شيء. “لتكن مشيئتك”. بهذا نخلُص لا بمشيئتنا نحن.
المسيح هو النور الكامل ولا نختار أجزاء من النور. أجزاء من النور هو العمى.

جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

عن “رعيّتي”، العدد 22، الأحد 29 أيار 2011

 

أحد الأعمى