...

الحريّة 

 

 

 

 

يقول الرسول بولس: “دُعيتُم للحريّة أيّها الإخوة. غير أنّه لا تُصَيِّروا الحريّة فرصةً للجسد (أي للشهوات) بل بالمحبّة اخدموا بعضكم بعضًا… اسلكوا بالروح فلا تكمّلوا شهوة الجسد” (غلاطية 5: 13 و16).

 

الحرّيّة تتّخذُ المحبّة محرّكاً ومقياساً. الحريّة تقيّدها المحبّة، الحرّيّة بدون محبّة كارثة. الإنسان الحرّ هو الذي وحّد مشيئته بمشيئة الله. اسلكوا بحسب روح الله ووصاياه لا بحسب روح العالم وغرائزه. النعمة الإلهيّة تجعل الإنسان يتخطّى حدود الطبيعة الساقطة، يتخطّى ضعفاته وغرائزه، يتخطّى الموت نفسه. المحبّة أقوى من الموت. الإنسان خارج نطاق الله، خارج نطاق المسيح الإله ووصاياه يسقط في الانحراف، في الفساد الطبيعيّ وما تحت الطبيعة البشريّة أَعني في الحيوانيّة والوحشيّة. هذا ما نشهده كثيراً في الحضارة العلمانيّة الدّهريّة   المعاصرة.يصبح الإنسان، بعيداً عن الله، مقيّداً بأهوائه، بأمراضه، بخطاياه.. يصبح مجنوناً. الخطيئة جنون بالحقيقة.

 

لا يعود يتزوّج كما يليق بالله ولا حتّى بالطبيعة. “يُساكِن”.. يَزني.. يسقط في المثليّة  .. يعيش في الظلمة. يقول الإنجيليّ يوحنّا “إنّ النور -أي المسيح- جاء إلى العالم ولكنّ الناس أحبّوا الظلمة أكثر من النور لأنّ أعمالهم كانت شرّيرة” (يوحنا 3: 19).

 

*    *    *
 

الإيمان عندنا لا يغصب أحداً بل يحرّر، يشفي، يعتق من أسر الشيطان وأسر أهوائنا، أعني المادّيّة والكبرياء والحقدوالعداوة، واللذّة المدمّرة والتسلّط… نعم الحريّة محبّة، والمحبّة إيمان بالمسيح الإله الذي أحبّنا حتّى الموت. نحن أحرار في المسيح. لا نتعلّق بأمور هذه الدنيا. نتعاطاها ولا نلتصق بها، بل نلتصق برّبنا فقط. أقدامنا على الأرض وعيوننا تتطلّع إلى السماء، إلى فوق، إلى ما فوق الأرضيّات.

هكذا يعيش الإنسان المؤمن بالله المتجسّد بالحقيقة. عندها لا يعود يخشى المرض، بل يتقبّله بصبر. لا يعود يخشى حتّى الموت، لا يتفجّع أمامه، بل يحسبه عبوراً إلى الحياة. نحن أحرار في المسيح، أي مقيّدون بمحبّته وبمحبّة الآخرين. هذا ما يشفينا من أمراضنا الجسديّة والنفسيّة. هذا ما يفرّحنا. هذا ما يقدّسنا . آمين.

 

                       

                                           + أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما

           

عن “الكرمة”، العدد 46، الأحد 16 تشرين الثاني 2014

 

 

 

الحريّة